حكاية يمنيون

حكاية يمنيون
3152 زيارة

فيصل علي

 

 

 

 

ما بين ثورة 17 فبراير 1948 و ثورة 11 فبراير 2011 عوامل مشتركة و متشابهة؛ في الأولى تم استبدال الإمام بابن عمه، ومن نفس سلالته، وفي الثانية أستبدلنا الرئيس بنائبه، و من نفس سلالته، حدثت انتكاسة سريعة خلال شهر لثورة 48، وتم فتح صنعاء على الطريقة الطائفية، وحدث من الفظائع ما يشيب له الولدان، وفي ثورة 11 فبراير حدثت الانتكاسة بتدرج من الاحتواء الحزبي وترويض الثورة ثم عبر التسوية وجاء الانقلاب عليها وعلى الدولة والشعب.

 

انتصرت ثورة 17 فبراير 1948 بعد 14 عاماً من النضال، وثورة 11 فبراير الجديدة قاومت المد الطائفي من البداية، ومازالت تقاوم وتسترد وتحرر المناطق، والنصر قريب وتأخره يرجع لأسباب إقليمية دولية.. لكنه لن يكون بعيداً.  لم تصنع ثورة 48 تياراً جديداً، ولم تصنع ثورة 11 فبراير لا حزباً ولا تياراً يلم شتاتها، ويجمع تفرق مكوناتها. " لا ثورة بلا فكرة وفلسفة وحزب وقائد يعبر بالبلد من مرحلة الى أخرى". ومازال الوقت كافياً لتشكل حزب الثورة، إن كان هناك من يريد.

 

إن تمزُقنا كأحزاب ومكونات ثورية له علاقة بالشخصية اليمنية التي تأثرت بكل الأحداث خلال القرن الماضي، وصار داخل كل فكرة عزلة، وداخل رأس كل فرد فكرة مغايرة للأخرين، وللأسف صارت هذه الشخصية لا تستطيع العمل في مجموعات، وتميل إلى الفردية وثقافة الدكان لصاحبه فلان، وثقافة الراعي فلان، لا وجود لشراكات حقيقية بين المتشابهين.

 

لم تمتلك اليمن مشروع مكتمل الأركان ما بين ثورتي 48، وثورة 2011، وللأسف مازلنا نحفر في الجدار، ومع ذلك هناك جهود تُبذل ونطمح إلى توحيدها وتحويل العاطفة إلى عمل والهم إلى إنتاج، حتى يتحقق ما يريده شعبنا من دولة المواطنة والحريات والديمقراطيةسيكون اليمن مظلماً خلال المائة السنة القادمة إن لم نحسن العمل في مجموعات، ونلم الجهود المبعثرة، ونحاصر كل هذا الشتات الذي يحاصرنا.

من لا يملك فكرة وفلسفة ومشروع ستستمر مراحل ضياعه. ومن هنا بدأت فكرة يمنيون من حالة الشتات والخواء الذي نعيشه جميعاً، بدأت ونحن ننظر لجواز السفر اليمني حقيراً بين جوازات الدول الأخرى، كنا على موعد مع بكائية متعلقة بهذا الجواز ونحن ننظر إليه كم هو بلا قيمة، وحامله تلفه الحيرة والضياع الذي يلخص حالة التلاشي لوطن بكامله.

 

من كل هذا كانت (يمنيون) الفكرة تبحث في المبادئ الأربعة: الهوية اليمنية، الأمة اليمنية، الدولة اليمنية، والوطني اليمني. بدأت الفكرة من مشروع الدولة  قبل الانقلاب ، وبعد الانقلاب تحولت إلى إصرار على خلق أمة يمنية جديدة التفكير، تعتمد على العلم والمنطق وفهم مكونات المجتمع اليمني وإخراج فلسفة جامعة من موروث شعبنا وقيمه وتراثه وحكمته المتراكمة العريقة.

 

فكرة التيار أتت بعد المشروع ، وهي جزء منه، كما أن التيار يختلف عن الحزب في أنه لا يحمل طابعاً تنظيماً كالحزب، وفي التيار أفراد من مختلف الأحزاب والمستقلين، وفكرته قائمة على يمننة المناهج الثقافية لكل الأحزاب اليمنية، ويمننة الهم والقضية كجانب دفاعي مؤقت عن أمة يتصارع فيها أبنائها وأعدائها ويُقتل إنسانها بكل الطرق، ليس لدينا سوى فكرة، وليس لدينا لا مقر ولا استمارة، ولا بطاقة مع احتفاظنا بحقنا في العضوية العاملة في أحزابنا التي ننتمي إليها، وطلبنا منهم إيقاف الجدل الأيدلوجي المستورد، ففي اليمن من المشكلات ما يكفي، علينا مساعدة اليمن، ومساعدة أنفسنا للخروج من المأزق، لا إدخالها في مشكلات أخرى، نريد تحرير ذمار والحقب، والحوبان، والسواحل، والموانئ من العصابات التي لا تريد لنا دولة.

 

وعلاقة تيارنا بالأحزاب تكاملية لا صراع بيننا، وعلاقتنا بالشرعية تكاملية لا صراع بيننا، صراعنا مع عدو أمتنا الذي أنقلب علينا جميعاً، وجلب لنا التدخلات الدولية، ورمى بنا تحت البند السابع، وصراعنا مع كل من تسول له نفسه المساس باليمن ووحدته وسلامة أراضيه، نحن مع السيادة والاستقلال بكل ما يحملانه من معاني. بدون وجود فكر موحد ستكون اليمن مقبرة لشعبنا، ولن تكون مقبرة للغزاة وحدهم، ولذا علينا التفكير وإعادة التفكير، وفهم قضيتنا المتمثلة في حاجتنا للدولة.

"العمل ناتج عن التصور". وكل دولة من دول العالم كانت فكرة عند مجموعة صغيرة من الأفراد، والفتية، والشباب والشابات والتعقيدات تأتي لاحقاً، لكنها لا توقف تقدم صناعة جادة للفكرة، من حقنا أن نحلم بدولة تلم شعثنا، يكفي تشرد، يكفي تخبط، وضعف، ومناطحات عدمية، يكفي موت، ومهانة، يكفي شتات في الداخل الخارج، يكفي تجديد فيز ودفع أموال مقابل إقامات.

 

أنتهز هذه الفرصة وأبعث التهاني لكل أصدقائي وصديقاتي وكل المُؤسسين لتيار يمنيون، وكل أعضائه ومنتسبيه في الداخل والخارج؛ في الجوف، وصنعاء، وتعز، ومأرب، والبيضاء، وحضرموت، وإب وسقطرى، ولندن، وأوتوا، وواشنطن، وكوالالمبور، وسدني، والرياض، وأبو ظبي، وبرلين، وبكين، وإسطنبول، وأمستردام، وموسكو، والقاهرة، وبودابست وستوكهولم..  وأهمس في أذن كل منهم " البدايات دوماً صعبة لكننا سنصل، وستكون الدولة التي دوماً حلمنا بها معاً".

 

ملاحظات:

1.      احتفلنا الليلة عشية 16 فبراير بالذكرى الأولى لإعلان تيار يمنيون، وكان معنا الدكتور عبد الله الشماحي، وثلة من خيرة أهل اليمن، ومحبي الوطن، وبينما نشيد تيارنا يصدح بصوت عبد الفتاح قباطي" يا مصطفى: أي سر تحت القميص المنتفْ" التفت نحوي الدكتور الشماحي وقال: “من يقصد هذا؟ “وضحكنا لبرهة من الزمن، فالدكتور يرتدي الزي اليمني جوجرة "مقطب أبيض " وفنيلة، وقميص نصف كم، مفتوح ازرار الصدر، وبدأ كأنه المقصود بقميصه المنتف.

2.      النص أعلاه ورقة عمل لندوة (تيار يمنيون: من التأسيس إلى الإعلان) التي عقبت الاحتفال بمرور عام على إعلان التيار، لضيق الوقت لم تطرح في الندوة ونشرت على هيئة مقالة.   

شاركها:  

اشترك في نشرتنا ليصلك كل جديد

نعتني ببياناتك ونحترم خصوصيتك. للمزيد اقرأ  سياسة الخصوصية .