الإنتاجية شرط العالمية والحياة المدنية

الإنتاجية شرط العالمية والحياة المدنية
680 زيارة

د علي حفظ الله محمد

 الإنتاجية شرط العالمية والحياة المدنية

 

علي حفظ الله محمد

ظل الإنسان الشرقي يتأرجح في محيط مجتمعه لا يبارحه؛ ولا يكاد يخرج منه؛ أو يلتزم بأدنى قوانين الحياة اليومية فيه؛ فضلا عن الانضباط المؤسسي الذي ينطوي فيه أغلب العاملين..

       إن هذا التخبط العشوائي منذ أربعة عشر قرنا؛ لم ينضج بعد لتأسيس قوانين تسيّر حياته، وتحفظ كرامته من اعتداءات بعضهم على بعض؛ رغم وجود كل المحفِزات العقدية والأخلاقية التي يكتسبها كل يوم في مؤسسات ومحطات حياته؛ ومرور هذه الحقبة الزمنية في ظل صراعات بينية لم تجعله يفكر بالخروج إلى الحياة (العالمية أو العولمة)؛ العالمية بمفهوم التفاعل الطبيعي مع شعوب العالم؛ والعولمة بمفهوم المزج بين التفاعل الطبيعي والقسري؛ فظلَّ في سُباتٍ عميقٍ..؛ وفي وضع متلقٍ مستهلكٍ؛ وهذا الوضع الاستهلاكي هو الذي فرض عليه أن يرزح تحت قوانين الغاب الطائفية والعشائرية المقيتة التي لا تكاد تنجو منها الشعوب في حال انزلقت إليها، مقارنة بالصراعات الأوربية الغربية التي عانت منها شعوبها الويلاتها منذ زمن؛ حتى تولَّدَ الاقتناعُ بالنهوض مما هم فيه، فما لبثوا أن انتفضوا ونهضوا من سباتهم واتجهوا نحو النهضة الحديثة فتولّدت (الإنتاجية) التي فرضت نفسها ومستواها العالمي الطبيعي، وما صاحبها من قوانين العولمة القسرية (التعددية الحزبية) التي تحكم العالم الآن بقوانين صارمة لا تحيد عنها ولا تسمح لأحد المساس بها؛ لأنها السياج الواقي/الفاصل بين الإنتاجية والاستهلاكية؛ وهي ما فرضت استدامة الحياة بشكلها المدني الحديث كما هي لديهم.

  وهنا يمكن الاستشهاد بنموذج الإنتاجية في جمهورية الصين الشعبية التي فاقت قدرات الشعوب في جميع المجالات وخاصة الصناعي والعسكري والتقني ففرضت سيطرتها على جميع شعوب العالم بما أفرزته من جودة الإنتاج، فبوأتها مكانة تمكنها من السيطرة على النظام العالمي الرأسمالي بما لديها من جودة إنتاجية كبيرة.

      لذا فإن سر النهضة العالمية هو مستوى جودة الإنتاجية؛ والإنتاجية في جميع المجالات “الصناعي، والأدبي، والثقافي، العسكري، والتقني” ولا تقتصر في حد محدود؛ فهي العامل الملزم في وجود الحياة المدنية والمحافظة عليها، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى محاولة الإنسان الشرقي في الإنتاجية؛ ومنه ما صدّرته الخلافة العثمانية في الصناعة المدنية والعسكرية إذ نفذت مشاريع السكك الحديدية في بعض الأقطار التي كانت تحت سيطرتها، وكذا صناعة الأسلحة العسكرية الحديثة مقارنة بما كان عليه في العصور السابقة، وثمة نماذج عربية تحديدًا بعد عصر النهضة سجّلت شيئًا من الإنتاج المحدود في بعض المجالات منها ما أقدمت عليه مصر العربية من صناعة السيارات، والأسلحة، وكذا نموذج العراق وما أوجده من صناعات في الجانب العسكري، والإنتاج العلمي والثقافي، ونموذج سوريا التي اشتهرت بصناعة بعض الأدوية والملابس، إلا أن هذه التجربة العربية والشرقية بصفة عامة سرعان ما تآمر عليها العالم الغربي واخمِدت بالحصار والحروب الطائفية والعشائرية المقيتة وآلت إلى أرض يباب منعتها من الدخول إلى دور الإنتاج فظلت مستهلكة ومازالت، وهو ما أفسد منظومة القوانين والعهود والمواثيق في كل مجتمع ليس منتجًا.

شاركها:  

اشترك في نشرتنا ليصلك كل جديد

نعتني ببياناتك ونحترم خصوصيتك. للمزيد اقرأ  سياسة الخصوصية .

اقرأ ايضا