جهوية الجيوش وأثرها على مسار الثورة اليمنية

جهوية الجيوش وأثرها على مسار الثورة اليمنية
568 زيارة

المحرر

جهوية الجيوش وأثرها على مسار الثورة اليمنية

د. محمد شداد

received 244834323103793

اشتقت الجهوية من مصطلح الجهة أي الإقليم أو المنطقة والسياق الرئيسي لاستخدام هذا المصطلح هو سياسي إداري، تعتمد على تقسيم المجال الوطني، إلى جهات ومناطق بهدف التخطيط والتنمية.

لقد انطلقت ثورة 26 من سبتمبر كفكرة في لحظة حالكة الظلمة والجهل والفقر فكانت التحدي العظيم الذي سرى في عروق مفجريها شربوه قدراً حتمياً ضد جيوش الإمامة التي تكونت والجيش الدفاعي الذي تشكل على أيدي خبراء أتراك إلا أنه اتهم بالفساد وعدم الكفاءة تم إقصاؤه غير أنه لم يسرح تماماً بل ضل على شكل ميلشيات تحت إمرة الإمام عند الطلب.

من خدمة لأقدار لدعاة الإمامة أنهم ورثوا أسلحة الجيش التركي وخبراؤه بعد خروج العثمانيين من اليمن دون أن يشتروا قطعة سلاح واحدة بغرض حماية أراضي اليمن، كما ساقت لهم الأقدار اليوم جيشاً وتسليحاً جاهزاً لدية من التسليح والذخائر ما يخدم استراتيجية حرب عشر سنوات، وكانوا سماسرة صفقاته وعصب مفاصله المالية والإدارية.
لقد كان “الجيش النظامي” الذي تم تشكيله من أبناء القبائل الزيدية على يد خبراء سوريين وأجانب كان أكثر نظامية وانقياد لسياسة الإمامة وطموحاتها. فيما أن “الجيش البراني” وهو الجيش الذي تكون من أبناء القبائل الذين لم يرغبوا في الالتحاق بالجيش بصفة دائمة وكان يشترط عليهم تسليح شراء أسلحتهم وذخائرهم بأنفسهم والعجيب أن هذا الجيش كان أكثر ولاءً للإمام والأكثر فتكاً بالمواطنين.
كما تم ارسال ضباط لأخذ دورات في العراق ومصر والاتحاد السوفيتي الأمر الذي سبب لهم صدمة حضارية نتيجة لاحتكاكهم بالأفكار العصرية والتقدمية والصناعية مقارنة باليمن التي كانت تعيش ضلام القرون الوسطى.
فشكل معظمهم نواة الفكر التقدمي والقومي والثوري الذي أشعل بعدها الثورة ضد الإمامة.

أسباب الصراع بين صفوف الثورة


انتصرت الثورة 26 سبتمبر كحقيقة فرضت نفسها على كل الخصوم غير أنها لم تسلم من صواعق الألغام التي زرعت في أحشائها، انفجرت بمسميات أخرى لا حقاً بين رفاق الثورة أخذت بعداً جهوياً مناطقياً التحمت فيه قوى الإمامة الراجعة بعد المصالحة بين الجمهوريين وبقايا حكم الامامة مع القوى القبلية الطامعة في النفوذ بدعم من القوى القريبة ” السعودية” واعتبرت نفسها الوريث الوحيد لحكم الإمامة على إثر مفاهيم أن الحكم لأتباع المذهب الزيدي الحامل الوحيد لمفهوم الحكم لابد أن يكون فينا أسرة سلالية أو قبيلة تعتنق المذهب والذي اباح في أدبياته حتى في نهب المال العام للقائمين عليه كمبدأ أصيل في المذهب الهادوي، فعانت منه اليمن حتى أصبح منظومة فساد لم تسلم منه حتى أبار النفط والثروات المهولة في بحار اليمن.

بداية الصراع في الصف الجمهوري

اندلعت شرارة الصراع في الصف الجمهوري غير أن تكتل القوى الامامية وعبر شن الشائعات ضد الجمهوريين وتحريض القبائل ضدهم والتحام القوى القبيلة والدينية معها تغلبت عليهم وانتصروا على الثوار الحقيقيين تحت مبرر الشيوعية والقومية واستهداف الدين ومبادئه كمحرك رئيس لاستعداء المجتمع الجاهل ضدهم، وهم الذين كانوا كما ذكر لي يوما المناضل المتحرر حسين خصروف عندما جمعتني به ضرورة البحث عن الحقيقة الحاملين الحقيقيين لنواة بناء الدولة بمفهومها الجمهوري الديموقراطي الحديث.
بالإضافة إلى أن تكالب القوى الجهوية والمذهبية والدينية ضد ثوار ثورة 26 من سبتمبر قد تجسدت بعمق في أحداث أغسطس 1968م حيث تم تصفية واغتيال الكثير من قادة الثور أبرزهم الزبيري وعبد الرقيب عبدالوهاب نعمان ومحمد صالح فرحان وعبدالله القيسي ومحمد صالح فرحان الميرابي والعقيد الشاعر الوطني الجسور أحمد عبدربه العواضي وإقصاء عبدالله جزيلان وحسين العمري والانقلاب على أول رئيس للجمهورية عبدالله السلال وسحب جنسيات الكثير مؤسسي الجمهورية منهم أحمد النعمان والدكتور عبدالرحمن البيضاني بتهم الخيانة.
وتشريد الآخرين سجناً وإخفاءً قسرياً كان آخرهم المناضل العقيد على مثنى جبران قائد مدفعية فك حصار السبعين في 1974 واختطافه من بيته في مسقط رأسه في غراس منطقة السدة محافظة إب.. وكذلك العقيد عبدالوارث عبدالكريم القدسي أحد مؤسسي جهاز المخابرات اليمني والعقيد سلطان القرشي ونصر البتول والذي تم اختطافه من مشفى الكويت عام 1978م أثنا خضوعه للعلاج والذي لا زال مخفياً حتى اليوم من وراء ذلك بالتأكيد القوى الامامية والقبيلة والدينية التي أسقطت الوطن اليوم بأيدي المتوردين من خارج اليمن من جديد.
ولا ننسى محركات الثورة الاقتصادية من التجار ورجال الأعمال وعلى رأسهم المرحوم عبدالغني مطهر وعبدالولي ناشر واحمد نادي العديني وكل من شاركهم الهم وبذلوا كل ما في خزائنهم في سبيل نجاح الثورة والذين تم اقصائهم وتغييب دورهم وكأنهم لم يكونوا.
طبعاً كان لما جرى من انشقاقات وصراع في صفوف الثورة أسباب كثيرة نوجز منها..
1-أسباب اجتماعية
الجهل: الذي استغلته القوى الامامية عن طريق بث الشائعات منها أن الثورة هي امرأة جاءت لحكم القبائل وتقصي مشايخها فصدقها الناس وانجروا ورائها محاربين وأن الثورة جاءت ضد الدين ومصادرة القرآن فالتف حولها أصحاب العاطفة الدينية.
الفقر: الذي استغلته قوى الإمامة أيضا ومن ورائها من القوى الخارجية التي تم استفزازها وهي كانت خائفة بالأصالة على ونفوذها والتأثير على مصالحها
2-أسباب سياسية خارجية
من القوى القريبة السعودية وإيران والأردن كأنظمة ملكيه فردية خافت من تأثير الموجه الثورة ضد الأنظمة الفردية والملكية فقامت بلعب دور لإعاقة مسار الثورة وكبح جماها أعاقتها بيد أن أنها عجزت عن هزيمة إرادة أمة وحلم شعب في التحرر والتغير.
من القوى البعيدة فرنسا التي كان لها صفائح الصراع مع الثورة الجزائرية المدعومة من عبدالناصر فأرادت هزيمته في اليمن انتقاما منه لذلك الدعم
-بريطانيا التي كانت في جنوب الوطن خافت من امتداد السنة الثورة إلى جبال شمسان وسواحل عدن حلمها القديم والمتجدد في السيطرة على عليها كأهم مرسى للسفن وأهم نقطة للتواصل التجاري بين الشرق والغرب.
-أمريكا لعبت دوراً قذراً بالنيابة عن إسرائيل لكبح جماح حركة المقاومة العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي فأرادت استنزافه في اليمن تم لها ذلك حتى انسحبت القوات المصرية بعد هزيمة 67 انسحب الجيش المصري تاركاً الشعب اليمني لمواجهة مصيره وقدره المحتوم.
3-أسباب جهوية: من أبرزها جهوية الجيوش وبنائها على أساس مناطقي بدايةً من جيوش الإمامة ومروراً بجيش ما بعد الثورة وانتهاءً ببناء الحرس الجمهوري.
1-تشكيل جيوش الإمامة قبل الثورة. وإخمادهم للحركات الوطنية
2-تشكيل جيوش ما بعد الثورة. وإقصاء كل الضباط من خارج الهضبة ومن تبقى كان عمله هامشياً
3-تشكيل الحرس الجمهوري ودوره في إخماد ثورة 2011وتماهيه مع الحركة الحوثية بداية من حروب صعدة بدافع التصفيات السياسية بين أجنحة النظام، وانتهاءً بالحرب في صفوف الإمامة واذكاء الصراع بين رفقاء ثورة 26 من سبتمبر.

ثورة 14 أكتوبر 1963م

بدايةً هناك حقيقة تاريخية لابد من ذكرها أنه اليمن موحد باسمه وجغرافيته حضارته ودينه عبر التاريخ مع حقيقة أن اليمن كانت في عهود كثيرة تسيطر وتمتد إلى أبعد مما هي عليه الآن، وبالمقابل لم تقم دولتين على أراضيه على غرار دولتي التشطير الذي حصل بعد 1967م والذي لم يدم سوى 23 فقط من 67 إلى 1990م، ولقد ذاب كيان الدولتين في شخصية دولية قانونية واحده بعد تحقق الوحد في ذلك التاريخ.

الصراع بين رفقاء ثورة 14 من أكتوبر
قامت ثورة 14 من أكتوبر نتيجة لعوامل داخلية وخارجية دفعت بالمناضلين بعد ان فشلت كل الجهود والمباحثات السلمية لتحقيق الجلاء المنشود العمل على إيجاد كيانات سياسية تنضوي تحتها حركة التحرر الوطني فبدأت منذ اربعينات القرن الماضي بالجمعية الإسلامية مروراً بالاتحاد الاشتراكي فالنقابات العمالية والاتحادات فجبهة التحرير الوطنية مروراً بالجبهة القومية وصولاً إلى تأسيس الحزب الاشتراكي عام 1978م.

جبهة التحرير القومية


تأسست جبهة التحرير عام 1963م في صنعاء بعد مفاوضات طويلة بين العديد من التيارات السياسية الوطنية وعقدت أول مؤتمر لها الأول والذي سمي بالمؤتمر الشعبي العام وقد أكدت مخرجاته على
وحدة العقيدة والرأي
توفير تنظيم سليم يهدف إلى تحقيق وحدة العمل عن طريق قاعدة شعبية يتم تعبئتها وتحريكها للدفع بعجلة المقامة صوب التحرير.
تم تشكل الجبهة القومية التي ركبت موجة جبهة التحرير لتسيطر على المشهد بعم بريطاني وروسي شيوعي بعد صراعها مع قادة جبهة التحرير الذين تم الاغتيال الكثير منهم وفرار الكثير بعد هزيمتهم إلى الشمال.
غير أنه ظهرت أجنحة صراع مناطقي جهوي في إطار الجبهة القومية تمثلت بجناحي صراع سياسي على السلطة انحصر بالطغمة والزمرة على النحو الآتي
الزمرة تعني الجماعة وتشير إلى الفصيل الذي ينتمي إلى مكون قبلي صغير من محافظة أبين وشبوة ومن والاهم من القبائل.
أما الطغمة فقد أطلق على قيادات عسكرية وسياسية من محافظة لحج تحديداً منطقة الضالع ردفان ويافع ومن التف معهم من مناطق الحواشب والصبيحة..
الصراعات التي القت بضلالها على أحداث يناير 1986م آخر الصراعات بين الجناحين حتى قيام الوحدة وما إن اختفى حتى ظهر اليوم في أحداث الضالع عدن ابين شبوه، ومن الحقائق الصادمة التي أن الضحايا والخسائر البشرية التي سقطت نتيجة للصراع بين جبهتي التحرير والجبهة القومة فاقت بكثير ضحايا حرب التحرير وجلاء الاستعمار
استمر الصراع بين أجنحة الجبة القومية الايديلوجية والمناطقية انتهت باغتيال سالمين وخلفه عبدالفتاح إسماعيل لمدة سنتين غير انتمائه للمناطق الشمالية تم التآمر عليه واقصاؤه إلى الاتحاد السوفيتي على ناصر محمد بدعم من على عنتر وصالح مصلح وعلي شايع هادي والبيض.
بدأ الصراع بين الضالع التي يمثلها علي عنتر البيشي كطغمه وعلي ناصر محمد الحسني ممثلاً لأبين وشبوه وجناحاه ومناصريه داخل الدولة الجيش كزمرة أي جماعة.
نقطة اللقاء بين الشمال والجنوب هي قصة اغتيال الحمدي وسالم ربيع على منها
أنه تم اغتيالهم دون الاقصاء لعلم منفذي الجريمة أن لهم من الرصيد الشعبي الذي قد يعيدهم إلى الحكم وإن خرجوا عن الوطن
تكالب القوى الداخلية والخارجية عليهم، وكان كليهما يحمل مشروع بناء الدولة وتحقيق العد والرفاه الاقتصادي.

FB IMG 1569852799785

* ملخص ورقة عمل قدمها الدكتور محمد شداد في الندوة التي أقامها مركز يمنيون للدراسات بعنوان” اليمن من ثورة 26 سبتمبر و 14 أكتوبر إلى عودة مخلفات الرجعية والاستعمار” في كوالالمبور بتاريخ 27 سبتمبر 2019

شاركها:  

اشترك في نشرتنا ليصلك كل جديد

نعتني ببياناتك ونحترم خصوصيتك. للمزيد اقرأ  سياسة الخصوصية .