عقلان أيقونة رشاد السامعي الكاريكاتيرية.. النضال ونقد الواقع

عقلان أيقونة رشاد السامعي الكاريكاتيرية.. النضال ونقد الواقع
3646 زيارة

عفيف الشيباني

عقلان أيقونة رشاد السامعي الكاريكاتيرية.. النضال ونقد الواقع

 

عفيف الشيباني 

 

عقلان.. حنظلة
عقلان                                              حنظلة

كما سبقه رسامون كثيرون أبرزهم الراحل ناجي العلي بشخصية “حنظلة”، تجد شخصية “عقلان” لدى رسام الكاريكاتير رشاد السامعي: شخصية خيالية تعيش المواقف في رسم الكاريكاتير معبرة عن قضايا مجتمعها.  

 

كلتا الشخصيتين قادمة من الشارع، فحنظلة طفل العاشرة الذي لم ولن يكبر، هو ثائر يعقد يديه خلف ظهره رفضاً للتطبيع ويتبنى همّ القضية الفلسطينية ويرفض المساومة عليها(1)، أما عقلان فهو مجنون متشرد، لا يأبه للناس ولا يأبهون له، ويعيش كواحد منهم يعاني ما يعانون وله رؤيته الخاصة في السياسة والمجتمع التي لا تنتمي بالضرورة إلى تيار سياسي معين بل تنحاز إلى المواطن فحسب.

 

رشاد السامعي

وبخلاف حنظلة الذي لا نرى وجهه، فعقلان يعيش حياة الشارع بكل تفاصيلها ويشارك الناس في كل تفاصيل حياتهم، فيأخذ قطته جلجل إلى المستشفى لأنها أصيبت في عينها كما يصاب أطفال المدينة بسبب لعبة بندقيات الخرز التي انتشرت في المدينة، ويصاب هو في اشتباك بين مجموعتين مسلحتين تتصارعان على قطعة أرض حكومية منهوبة، ويسافر مع المسافرين في الطريق الجبلية الوعرة التي تربط بين جانبي المدينة المعزولين بسبب الحصار.  

 

حصار تعز

وبرغم تجربة الرسام رشاد السامعي التي تتجاوز عقدين من الزمن، إلا أن عقلان لم يظهر في رسوماته إلا مؤخراً لتجسيد رأي رجل الشارع كنوع من التجديد وقد يكون انعكاساً لنضج تجربته الفنية.

 

المجنون العاقل

 

عبر شخصية المجنون، يسعى الرسام لإيصال رؤيته أو تقديم رؤيةِ عامة الناس للقضايا، ليس فقط لأن الأفكار المنطقية يدركها حتى المجانين -وهذه سخرية لاذعة ممن يوجَّه إليهم النقد- بل هو أيضاً أسلوبٌ مناسبٌ لتقديم الأفكار ببساطة ووضوح في نفس الوقت. وبالنسبة لاسم “عقلان”، فهو اسم يمني أصيل وشائع في تعز، وهو اختيار موفق، فالألف والنون في نهاية الاسم في الأسماء اليمنية القديمة هما بمثابة ال التعريف، فاسم كشمسان يعني الشمس، وغيمان يعني الغيم، وهكذا. فاسم عقلان يعني العقل حتى إن كان هذا العقل (لدى المجنون) مُغيّباً، فلسان العرب يعرّف الجنون بالستر، فـ”جن الليل عليه” أي ستره وسمى الجن جناً لاستتارهم والجنين لأنه مستتر في بطن أمه. (2)

 

أما إيصال الرسالة عبر مجنون، بحسب عبد الفتاح كيليطو في كتابه “لسان آدم” فـ”المجانين وجوه مألوفة في طرقات المدينة” وهم “مفيدون جداً. لمّا يريد الناس مخاطبة أصحاب السلطة فإليهم يلجؤون، وهم حينئذ وسطاء ناجحون لأنهم جريئون وصرحاء في القول وواثقون بالإفلات من القصاص (…) إنهم مسموعون، بل مهابون”. (3)

 

كان عبد الفتاح كيليطو يقرأ حال مجانين النيسابوري (ت 406 هـ) في كتابه “عقلاء المجانين” الذي يتناول قصصاً فيها طرفة أو حكمة أو شعر، يرويها بسندها عن من يفترض فيهم الجنون.

 

كان هذا الكتاب -عقلاء المجانين-  ضمن اهتمام ثقافي بشعر وأدب وطُرف المجانين في ذلك الزمن – ولم يكن ذلك أمراً مُحدثاً، إذ يقول الشافعي مثلاً أنه يروي لـ 300 شاعرمجنون (4)-  دون أن نغفل الاهتمام بالمجانين في العصور الإسلامية وحتى بصحتهم النفسية، فقد أسس الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (ت 93 هـ)  أول مستشفى للصحة النفسية في التاريخ الإسلامي.

 

وغني عن القول أنه كان هناك سعي لاقتناص المعرفة أو الحكمة من هؤلاء المجانين الذين لا يترددون في إبداء رأيهم أو نقد مجتمعهم، أو من يدّعون الجنون لنفس الغرض. فيروي عثمان الوراق أنه رأى العتابي الشاعر (ت 220هـ) يأكل الخبز على الطريق بباب الشام (في بغداد)، فقال له: ويحك، أما تستحي؟ قال: أرأيت لو كنا في دار بقر كنت تستحي وتحتشم أن تأكل وهي تراك؟ قال الوراق: لا. قال: فاصبر حتى أعلمك أنهم بقر. فقام العتابي، فوعظ وقصّ ودعا؛ حتى كثـُر الزحام عليه، ثم قال لهم: روى لنا غير واحد أنه من بلغ لسانُه أرنبةَ أنفه لم يدخل النار! فما بقي أحد إلا أخرج لسانه يومئ به نحو أرنبة أنفه ويقدّره يبلغها أم لا. فلما تفرقوا التفت العتابي إلى صاحبه وقال: ألم أخبرك أنهم بقر؟ (5)

 

2

 

نقد المجتمع على لسان مجنون جبران

 في العام 1913م، ألّف جبران خليل جبران كتابه “المجنون” باللغة الإنجليزية. كان ذلك الكتاب من أوائل مؤلفاته الإنجليزية وكان ينتقد فيه آفات المجتمع كالجهل والظلم والتحجر عبر قصص قصيرة رمزية وساخرة. بطل معظم تلك القصص هو المجنون. يقول على لسانه: “هكذا صرت مجنوناً، ولكنني قد وجدت بجنوني هذا الحرية والنجاة معاً: حرية الانفراد، والنجاة من أن يدرك الناس كياني، لأن الذين يدركون كياننا إنما يستعبدون بعض ما فينا.” (6)

 

ومما جاء في كتابه هذا، حوارٌ بين المجنون واللعين (اللعين هو ما يُدعى خيال المآتة أو الفزاعة، وهو شاخص من القش يُنصب في الحقول لتخويف الطيور): 

 

“قلت مرةً للّعين: ألم تسأم نفسك الإقامة في هذا الحقل وحيداً منفرداً؟

فأجابني قائلاً: إن لي في التخويف لذة لا يُسبر غورها، ولذا فإني راض عن عملي ولا أملّه.

ففكرت هنيهةً ثم قلت له: بالصواب أجبتً، فإنه قد سبق لي فَخَبرت هذه اللذة بنفسي. 

فأجابني قائلاً: إنك واهم يا هذا، فإن هذه اللذة لا يعرف طعمها إلا من كان محشواً بالقش مثلي. 

فتركته إذ ذاك، وانصرفت وأنا لا أدري هل مدحني أم تنقصني. 

وانقضى عامُ صار اللعين في أثنائه فيلسوفاً علّامة. وعندما مررت به ثانيةً رأيت غرابين يبنيان عشاً تحت قبّعته. (7)

 

لا يخفى على القارئ الرسالة البالغة التي يرسلها جبران عبر حوار المجنون هذا عن المسؤول الذي اعتراه الخواء فاغترّ بمنصبه وسلطته وترك واجبه المكلف به حتى فقد هيبته وعبثت به الغربان، ليعكس إحدى صور فنون الخيال الساخر الذي يضع لبنته لبناء مجتمع عادل. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ويكيبيديا، حنظلة

(2)  لسان العرب: جنن

(3) لسان آدم- عبد الفتاح كيليطو.

(4) مجانين العرب: ثوار وأولياء وعاشقون

(5) المرجع السابق.

(6) المجنون- جبران خليل جبران

(7) المرجع السابق

اقرأ ايضا: اليمنيون والانعتاق الكبير: الطريق إلى أيلول

شاركها:  

اشترك في نشرتنا ليصلك كل جديد

نعتني ببياناتك ونحترم خصوصيتك. للمزيد اقرأ  سياسة الخصوصية .

اقرأ ايضا