مركز يمنيون للدراسات يقيم ندوة: مارب.. قراءة في العراقة والحضارة وامتداد الأدوار التاريخية المجيدة

مركز يمنيون للدراسات يقيم ندوة: مارب.. قراءة في العراقة والحضارة وامتداد الأدوار التاريخية المجيدة
1619 زيارة

المحرر

مركز يمنيون للدراسات يقيم ندوة: مارب.. قراءة في العراقة والحضارة وامتداد الأدوار التاريخية المجيدة

 

عارف المخلافي: مارب كسرت الرومان ولم يصلها الفرس وقاومت الأحباش وقدمت للحضارة هندسة الري والشورى وخط المسند، وصنعت لليمنيين الوحدة   

جمال أنعم: مارب لم تخذلنا بل انصفت اليمنيين وشكلت واحة أثناء الحرب، وراهنت على معركة الاستقرار ولم تخضع للدويلات  

زايد جابر: مارب لم تخضع للإمامة ومذهبها العنصري وهي رمز للجمهورية وكما احتضنت نشوان الحميري فهي اليوم تحتضن مئات الآلاف والملايين من أتباعه وتمثل معركتنا الأخيرة

 

فيصل علي: مارب بوابة النصر اليمني الكبير وقادسية العرب الثالثة وهي معركة كل يمني وكل عربي أصيل ينتمي لليمن وهي اليوم تعيد كتابة التاريخ

 

اليمنيون / تقرير علي الحسام/ ماجد السامعي

ندوة مارب
ندوة مارب

أقام مركز يمنيون للدراسات ندوة بعنوان “مارب.. قراءة في العراقة والحضارة وامتداد الأدوار التاريخية المجيدة” مساء السبت الماضي، عبر منصة الزوم، وذلك ضمن تدشين حملة وطنية لمساندة مارب والجيش الوطني لمقاومة هجوم مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، وقد خرجت الندوة بعدد من التوصيات حثت على دعوتها للباحثين والمتخصصين إلى المزيد من الاهتمام بالتاريخ والآثار اليمنية للحفاظ على التاريخ والهوية اليمنية، كما تضمنت التوصيات دعوة المراكز البحثية ومؤسسات الإعلام والثقافة ودور النشر والباحثين والصحفيين والمكونات اليمنية إلى المساهمة في إعادة الاعتبار للتاريخ اليمني، ودعوة شركات الإنتاج الفني والأدبي والدرامي إلى إعادة انتاج الشخصيات التاريخية بأسلوب يليق بتاريخ الأمة اليمنية.

وتضمنت توصيات الندوة دعوة الجامعات اليمنية إلى الاهتمام بتدريس التاريخ اليمني وعدم إغلاق أقسام التاريخ وايلائها الاهتمام الكافي كون التاريخ مادة أساسية في إعادة تكوين وبناء الشخصية اليمنية، ودعوة وزارة التربية والتعليم إلى تكثيف التاريخ اليمني في المناهج الدراسية في كل المراحل الدراسية وتنقيحه وعرضه على الطلبة بأساليب تشويقية بنائية، وجعله المادة الرئيسة في كل مقررات التاريخ، كما تضمنت التوصيات دعوة الحكومة ومجلس النواب والجهات ذات العلاقة إلى الاهتمام بتاريخ اليمن وتنقيحه من التزوير والدس الذي تعمدته الهاشمية السياسية في مختلف المراحل، وكذلك على الجهات المختصة تقديم الدعم اللازم للكليات والجامعات والمدارس ووسائل الاعلام بما يلزم من التشريعات واللوائح التي تلزم كل الجهات ذات العلاقة بتعليم التاريخ اليمني كمادة الزامية للطلاب والموظفين وأجهزة الأمن والقوات المسلحة اليمنية. 

 

 

الإسهام التاريخي لمارب

أ.د.عارف المخلافي
أ.د.عارف المخلافي

وتضمنت الندوة ثلاثة محاور بحثية، كان المحور الأول بعنوان ” الإسهام التاريخي لمارب في صنع الحضارة اليمنية قبل الإسلام” قدمه البروفيسور عارف أحمد المخلافي أستاذ تاريخ الشرق والجزيرة العربية القديم بجامعتي صنعاء وأم القرى، تطرق فيه إلى أن مارب هي عاصمة مملكة سبأ المذكورة في القرآن الكريم الذي خلد ذكرها “وذكر عرمها وسدها وجنتان عن يمين وعن شمال”.

وقال أستاذ التاريخ القديم: “عندما نقوم بالتأريخ لمأرب ومملكة سبأ وشعبها فإننا ننظر لمسيرة حضارية موغلة في عمق التاريخ، لقد سعت سبأ إلى أن يكون لها ذات وكينونة بين الحضارات على مستوى العالم” مشيراً إلى أن الدراسات والتنقيبات الأثرية التي قامت بها البعثة الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي قد أثبتت أن نظام الري الذي كان في مارب، والذي بدأ دقيقاً ومنظماً منذ ما يزيد عن 6 ألف سنة، بأنه نظام متقدم جداً في مارب كلها. وأثبتت التنقيبات أن الاستيطان البشري حول سد مارب يعود لحوالي 4700 سنة، “هذا الكشف ليس فرضية وإنما بواسطة الدارسات ونظام تقدير الأعمار بواسطة طبقات التربة ونظام الكربون 14 المشع” بحسب قوله. وأكد على أن مارب امتازت بتقديم نظام البدائل وهذه ثقافة مهمة جداً في حضارة سبأ، وفي ممالك اليمن القديمة، “فأينما وجدت الصعوبات وجدت البدائل، منطقة مارب ليس فيها أنهار، استغلت مياه الأمطار ووضعت الحواجز وبنت السدود”.

وأشار الدكتور المخلافي إلى أن سد مارب يعتبر نظام ري معجز على مستوى الجزيرة العربية، استفادت منه الحضارات المجاورة، وكان ينظر لهذا السد إلى ثمانينيات القرن الماضي أنه خلاصة ما قدمه السبئيون، وشكك البعض بكيفية استطاعة السبئيون أن يبنوا هذا السد فجأة، متسائلين أين المقدمات الأولى؟ لكن التنقيبات التي قامت بها البعثة الألمانية في ثمانينيات القرن العشرين في مارب كشفت أن هذا السد لم يكن إلا خلاصة ما وصل إليه السبئيون، ولم يكن البداية كما أعتقد البعض، منوهاً إلى أنه قد سبق لهم أن بنوا قبله سبعة من السدود لتجريب نظام الري؛ قاموا بوضع الحواجز والمصدات للسيول، وكلما فشلت تجربة جربوا غيرها من المصدات والحواجز، قدرت بسبع تجارب واختبارات مرت قبل الوصول إلى الشكل النهائي لسد مارب. حيث أكدت الدراسات التي تمت بعد هذه الاكتشافات التي قامت بها البعثة الألمانية أن المسألة لم تكن عشوائية بل كانت عبارة عن معامل مفتوحة ومقصودة جربت على مراحل متدرجة منذ الألف الثاني قبل الميلاد حتى وصلوا إلى البناء النهائي للسد والذي صار معجزة من معجزات الحضارة اليمنية القديمة.

 

وأضاف الدكتور عارف أن مملكة سبأ قدمت نظام حكم قائم على الشورى منذ البداية، نظام شورى مركزي، ونظام شورى على مستوى المجالس المحلية في الولايات، وهذه تجربة جديدة عملت بها كل الممالك اليمنية القديمة، الشورى في سبأ ورد ذكره في القرآن الكريم ووصف بالملأ  “ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ” والملأ هو مجلس الشورى في نظام الحكم السبئي وسمى في ممالك يمنية اخرى بمجلس “المسود” ومجلس “المثامنة” ومجلس “المعاشرة”، وكلا المجلسين المركزي والمحلي،  كانا يقومان على مبدأ الرقابة والمحاسبة والتشريع واتخاذ القرارات، هذا إسهام كبير قدمته مارب للحضارة، وسارت عليه كل حضارات اليمن القديم.

 مؤكداً أن مارب قدمت للحضارة أيضاً الكتابة بخط المسند، وهو أقدم الخطوط في اليمن القديم،  وسمي بخط المحراث يبدأ من اليمين إلى اليسار، ثم يعود من اليسار لليمين،  وقد ظن البعض أن أقدم نصوص هذا الخط تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، لكن التنقيبات في التسعينيات من القرن العشرين والتي قامت بها البعثة الألمانية في منطقة “يلأ” في إحدى البيوت السبيئية  على بعد ثلاثين كيلو متر من مارب وجدوا قطع من الفخار كتب عليها بحروف من المسند، كشفوا أنها تعود إلى 1200 أو 1300 ق.م ، أي قبل أكثر من 3200 سنة من اليوم، “بمعنى أن الكتابة الجديدة في مارب سبقت التاريخ المعروف من قبل بحوالي ” 400 سنة” على الأقل، كما أن الروس اكتشفوا نفس هذه الحروف في حضرموت وتعود إلى الحقبة الزمنية نفسها، هذه الاكتشافات قلبت الموازين رأسا على عقب، كان يعتقد أن الأبجدية في مارب أخذت من الفينيقية، هذه الحروف التي اكتشفت في مارب أعطت مؤشرًا جديدًا على أنها الأساس لكل الخطوط التي انتشرت في الجزيرة العربية والمناطق المجاورة لها، بحسب قول أستاذ التاريخ.

 

مضيفاً أن مارب قدمت للحضارة اليمنية (الوحدة) إذ قامت مملكة سبأ بتوحيد الممالك اليمنية القديمة  في القرن السابع قبل الميلاد في عهد الملك المكرب كرب إيل وتر، وتمكنوا من توحيد معين وقتبان وأوسان وحضرموت بزعامة سبأ، واستمرت هذه الوحدة من القرن السابع قبل الميلاد إلى القرن الخامس قبل الميلاد، أي ما يزيد عن 200 عام من الوحدة، هذه الوحدة أوجدت وحدة حضارية ووحدة ثقافية ووحدة اجتماعية، واللافت في هذه الوحدة أنه تُرك للمناطق والولايات حكمها وظلت الممالك اليمنية قائمة بل انتعشت في ظل الحكم المركزي السبئي، وتركت للناس في مملكة سبأ حرية الاعتقاد، وفي تلك الفترة عبدوا النجوم والكواكب، واللافت للنظر أن اليمنيين لم يعبدوا الأصنام على الاطلاق، سميت ديانتهم بالديانة الكوكبية، عبدو الشمس والقمر والزهرة، وهي عبارة عن تجسيد لمعبود لم يستطيعوا إدراكه، ولذا اعتنقوا الديانات السماوية بسهولة.

 وأشار البروفيسور المخلافي إلى أن مملكة سبأ أسست من عاصمتها مارب أقدم العلاقات الدولية على مستوى التاريخ اليمني القديم، منذ عهد ملكة سبأ في القرن العاشر قبل الميلاد، عندما أقامت علاقات مع بلاد الشام في زيارتها للنبي سليمان عليه السلام، كما قامت سبأ بتأسيس العلاقات الاقتصادية بين حضارات الشرق والغرب، ففي القرن الثامن ق.م أقامت مملكة سبأ علاقات مع الأشوريين في العراق، فقد ذكرت النصوص الآشورية أن الملك “سرجون” الثاني تلقى هدية بمناسبة العيد السنوي له من ملك سبأ “يثع أمر بين” في عام 715 قبل الميلاد. كما أن “سنحريب” ابن سرجون ذكر أنه تلقى هدية من ملك سبأ “كرب إيل وتر” عام 685 قبل الميلاد، هذه العلاقات الدولية بين مملكتي سبأ وأشور، كانت قائمة على المصالح، فمملكة أشور تسيطر على العراق والشام، وهناك يقع ميناء غزة الذي تصل إليه تجارة سبأ وتوزع إلى مختلف حضارات البحر الأبيض المتوسط.

وقال الدكتور المخلافي أنه في عام 24ق.ب الميلاد انكسرت الحملة الرومانية على أسوار مارب بحسب “سترابو” مؤرخ الحملة الرومانية، وأن مارب صارت رمزا لكل الممالك اليمنية القديمة، فعندما أسس الحميريون مملكة سبأ وذي ريدان عام 115ق.ب حرصوا على أن يظل اسم سبأ في مقدمة اللقب الملكي، منوها أن مارب لم تستسلم للحكم الحبشي في عهد أبرهة وقاومته، ولم يصل الغزو الفارسي إلى مارب.

 

 

مارب مركزية الدور ورمزية الحضور

جمال أنعم
جمال أنعم

وفي المحور الثاني “مارب مركزية الدور ورمزية الحضور“ والذي قدمه الأستاذ الكاتب الأديب والباحث جمال أنعم الملحق الإعلامي بسفارة الجمهورية اليمنية في جمهورية إثيوبيا، والذي قال إن هذه الندوة تأتي في توقيت حساس ومهم، ومارب تخوض هذه المعركة عن اليمنيين جميعاً، مشيرا إلى أن “مارب حكايتها مع التاريخ أشبه بابن ضيعته شهرة أبيه” وعاشت فترة طويلة من العزلة بسبب الأنظمة. منوها إلى أن الإنسان الماربي يختزل الأسرار داخله، وفي لحظة تعاود هذه الأسرار الحضور، ويعاود هذا التاريخ الاحتشاد أكثر مما يحتشد في النقوش والعاديات، ومارب اليوم تنصف اليمن وتشكل سدها المنيع في وجه الجائحة الحوثية وما ترتب على انقلابها من متاعب، وهي تعاود الحضور بقوة، ومارب لم تخذلنا كما خذلتنا الكثير من البدائل التي علقنا عليها الآمال، منوهاً إلى أن مارب اليوم تنصف اليمنيين اجتماعياً وسلطة محلية، وشكلت إطاراً جامعاً للإنسان اليمني في لحظة التعب والوهن والشتات، كما أنها شكلت واحة لكل اليمنيين في أثناء هذه الحرب، وقد “راهنت مارب على معركة الاستقرار أكثر مما راهنت على المعركة العسكرية بحسب المستشار الإعلامي.

كما أشار أنعم إلى زيارة الرحالة العرب والأجانب إلى مارب، مستدلا بكتاب “رؤية اليمن بين حبشوش وهاليفي” والذي اشتمل على رحلة العالم الفرنسي جوزيف هاليفي إلى مارب وتصويره للنقوش فيها وأن هذا الكتاب قد أحدث ثورة معرفية في ذلك الحين، كشفت فيها الكثير عن حضارة اليمنيون في الجزيرة العربية، وجاء بعده كارل بروكلمان في كتابه فقه اللغات السامية، والذي قام بعمل مقارنات بين اللغات السامية؛ العبرية والأشورية والأكادية والآرامية واللغة الجعدية التجرينية والأمهرية والعربية، مضيفا أنه ذكر أن ممالك الشمال مثل الغساسنة والمناذرة وتدمر كانت امتداداً لممالك الجنوب، وكذلك ممالك الحبشة هي امتداد لممالك اليمن القديم. وأضاف جمال أن مارب كانت مركزاً للتأثير وللتداخل الحضاري بين اليمن والحبشة.  

 

ونوه الأستاذ جمال انعم إلى “أننا لسنا كائنات تاريخية، لكن التاريخ يعاود الحضور فينا نحن البشر ويعاود الحضور في المدن، وهناك أسرار تسكن الإنسان وأسرار تسكن المدن في لحظات فارقة الشعوب تلوذ بتاريخها بأسرارها بمدنها” مضيفاً أن المدن المسكونة بالتاريخ لها حضور كبير في دفع بنيها إلى إحداث تحولات فارقة في عمر الشعوب، ومارب الآن يعاود التاريخ فيها الاحتشاد مقاتلاً في معركة مصيرية مدافعة عن كيان اليمنيين وعن هويتهم وعن تاريخهم المجيد، وثبت تاريخياً أن مارب لم تخضع للإمامة ولم تخضع أيضا للدويلات نهائيا.

وأكد الكاتب جمال أنعم على أن مارب قد احتفظت بالتاريخ واستعادته في الوقت المناسب، فعاود التاريخ حضوره من جديد، وكما انكسرت حملة اليوس جاليوس على اليمن 24 ق. م ستنكسر هذه الحملة الحوثية المدعومة من إيران، وستعاود مارب قيادتنا حتى النصر، “جاءت هذه الجائحة الحوثية وراهنت على أنها ستخترق مارب، لكنها وجدت الإنسان الماربي واعياً ومسلحاً ومحصناً بالإرث الحضاري والتاريخي وبالمجد، لذا ستظل مارب مَوْئِلاً للجمهورية، وحصن حصين لليمن ولكل الأحرار اليمنيين” بحسب قول المستشار الإعلامي في سفارة اليمن في إثيوبيا.     

 

مارب من عهد الطوائف إلى العهد الجمهوري

زايد جابر
زايد جابر

وقد تناول الأستاذ الكاتب والباحث والمفكر اليمني زايد جابر وكيل وزارة الثقافة المحور الثالث: “مارب من عهد الطوائف إلى العهد الجمهوري“ مكثفا الإجابة عن تساؤل لماذا يحقد الحوثيون- وهم امتداد للإمامة – على مارب؟  وقال إنهم يحملون التاريخ بحكم أنهم حركة جاءت من غبار التاريخ ومن الكهوف، وليس هدفهم السيطرة على النفط والغاز كما يعتقد البعض، بل يريدون أن يدشنوا انتصاراً تاريخيا طالما تشوقوا وسعوا إليه. وأضاف وكيل وزارة الثقافة إلى أنه يتم دوماً مقارنة نظام مملكة سبأ وحضارتها ذات الشورى والعلم والتقدم بشهادة القرآن الكريم بنظام الإمامة الكهنوتية المتخلفة والرجعية والذي جاء في أواخر القرن الثالث الهجري، ولولا أن هذه الحضارة العظيمة خلدها القرآن لطمسوها لو استطاعوا، ومع ذلك حاولوا التشكيك بها.

 وأضاف جابر أن الإماميين استغلوا النزعة القرشية المضرية وأضافوا إليها أحقادهم، وهناك جدل كبير حول منطقة قدومهم من بلاد فارس لكنهم جعلوا من انتسابهم لقريش غطاء لدعواهم سواء صحت انتسابهم لقريش أو للفرس، منوها إلى أنه قد رد عليهم أبو الحسن الهمداني في قصيدة الدامغة والتي أوضح فيها أن الفخر إما بالملك والحضارة والتاريخ أو باتباع الدين، وقد جمع اليمنيون الأمرين معا، متفوقين بذلك عمن سواهم من المدعيين، الذين لا تاريخ لهم ولا حضارة وحاربوا الدين الذي جاء من السماء بينما أمن به أهل اليمن. موضحاً أن الهمداني قد قدم القحطانية كمشروع وطني متحدثاً عن “عدنانيين تقحطنوا وقحطانيين تعدننوا” فوصف أن اليمنيين هم من على هذه الأرض وهم قادرين على حكم أنفسهم مع إيمانهم بالله ودون أن يكون لأحد وصاية عليهم في رده على الرسي وجماعته وطائفيته وعرقيته، وهي نظرة ثاقبة واسبقية للهمداني في طرح المشروع الوطني لليمنيين بحسب وصف جابر.

وذكر الوكيل رواية عالم الآثار المصري الدكتور أحمد فخري الذي زار مارب في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، حيث عبر عن استيائه من عامل الإمامة في مارب، والذي كان يتعمد طمس وتشويه الآثار والنقوش. مشيرا إلى أن الإماميين ظلوا يشوهون بالحضارات اليمنية ويصفونها بالجاهلية والخروج عن الدين وأنها تشبه حضارة كسرى وقيصر وأنها تشبه الأصنام، مؤكداً على أن مارب هي رمزية لليمنين، رمزية لحضارتهم وتاريخيهم، لذا أراد دعاة الهاشمية الطائفية أن يطمسوا هذه الرمزية، ولا تزال مارب تمثل لهم حقداً عبر التاريخ، لكونها تدل على أنه كان هناك شعب ودولة وحضارة، مثلت مارب عائقاً لهم على مدار التاريخ، فهم يقدمون أنفسهم أنهم قدموا لليمن الكثير وأنها لم يكن لها ذكر قبلهم.

 وأوضح وكيل وزارة الثقافة أن الإنسان الماربي كان على الدوام رافضاً لمذهب الإمامة وعنصريتها، وأن مارب لم تخضع للإمامة منذ الرسي إلى اليوم، وأهلها لم يرضخوا للفكرة المذهبية العنصرية، وظلوا محتفظين بتدينهم النقي الخالي من العصبية والعرقية، وحافظوا على الحضارة اليمنية. وتطرق جابر إلى ما فعله العلامة والزعيم اليمني الكبير نشوان بن سعيد الحميري المتوفي سنة 573هجرية، والذي تبنى فكرة نسف مصطلحي الإمامة وحصرها في البطنيين ونسف نسبتهم لآل البيت، ونسف مفهوم الخلافة في قريش، وعندما تمت مضايقته من قبل الإمامة ومتعصبيها توجه إلى مارب وبيحان وشبوة، فالقبائل هناك اقتنعت وأمنت بفكره وبايعته ملكا وإماماً لها، وبعد وفاة نشوان، كانت هناك مواجهة ورسائل بين السفاح عبدالله ابن حمزة وبين أهل مارب وعندما أرسل لهم يريد منهم رفع الأذان بإضافة بدعة الفاطميين إليه” حي على خير العمل” رفض أهل مارب ذلك ورفضوا بأن يخطبوا خطبة لآل البيت في مساجدهم، معتبرين أنفسهم منتمين لإجماع الأمة ولا ينتمون لطائفة، لم تقبل مارب شعائرهم السياسية ولم تخضع لهم، واستمر أهل مارب يمنيون مسلمون ولم يقبلوا المذهب الطائفي، بحسب زايد.

 

وأشار الوكيل إلى أنه في العصر الحديث لم تخضع مارب وقبائلها ولم يخضع شرق اليمن لسلطة الهاشمية المسماة بالمتوكلية، وكانت هناك قصائد متبادلة بين إمام السلطة المتوكلية في صنعاء وبين الشيخ على ناصر القردعي المرادي، والذي كان يؤكد في قصائده عدم اهتمام مارب بالهاشميين وبسلطتهم، وهيبتهم المفقودة في شرق اليمن” والهاشمي هيبته في الشرق مفقودة”، مضيفا لقد سبق القردعي الحركة الوطنية في نضجه ومقارعته للإمامة، وعندما انتظمت الحركة الوطنية لم يجدوا سوى القردعي لقتل إمام السلطة المتوكلية في صنعاء بسبب سبقه لهم بسنين طويلة، ولما عرف عنه من بسالة وشجاعة وقوة، ذهب وقتله في صنعاء ووقف على جثته. ولذا حاولت الهاشمية طمس شخصية القردعي في العهد الجمهوري لكنها لم تستطع لأن الجيل الجمهوري الأول كان يعرف فضل القردعي ونبوغه وسبقه في مقارعة سلطة الكهنوت.

وذكر جابر أن مارب قامت بثورة في صرواح سنة 1957م، لكنها فشلت ولما قامت الثورة في 1962م تحولت صرواح مركزا من مراكز الجمهورية، وعملت مارب على نصرة الجمهورية في كل المراحل بداء من مرحلة الحرب التي شنتها الإمامة على الجمهورية من بعد الثورة، مؤكداً  على أن مارب استندت على التاريخ وتمسكت بالروح اليمنية في مقارعة الإمامة،  ولم تخضع للإمامة ثقافة وفكرا وساهمت في دعم الجمهورية، وبعد عودة الإمامة بانقلاب سبتمبر  2014م وعندما سلمت المناطق والقوى السياسية للإمامة الجديدة بالتوقيع على -وثيقة الانقلاب- اتفاق السلم والشراكة ، تداعت قبائل مارب إلى “المطارح”  معلنة المقاومة ولاتزال مارب تقاوم إلى اليوم، هذه المطارح  الماربية “نخلا والسحيل” حفظت الجمهورية، بحسب زايد.

وقال الباحث زايد جابر عندما نتحدث عن مارب لا نتحدث عن منطقة ولا عن قبيلة، فمارب هي رمز للجمهورية اليمنية، وكما احتضنت مارب في السابق نشوان الحميري فإنها تحتضن اليوم مئات الآلاف والملايين من أتباع نشوان والجمهورية اليمنية، مارب برجالها وبمن هم فيها اليوم  هي رمز للدفاع الجمهوري، وهي تخوض معركة باسم اليمن، وتمثل مارب رمزاً تاريخياً و نموذجاً في الحكم الديمقراطي الشوروي الذي سبق الديانات والأنظمة، مارب برمزيتها التاريخية وبواقعها المعاصر والتفاف اليمنيون حولها تمثل معركتنا التي سننتصر فيها كما انتصرت مارب من قبل، بحسب قول وكيل وزارة الثقافة.      

    

مارب تدافع اليوم عن الهوية والوجود الأزلي لليمنيين

د.فيصل علي
د.فيصل علي

حضر الندوة التي أدارها رئيس مركز يمنيون للدراسات الدكتور فيصل علي العديد من الأكاديميين والإعلاميين والنشطاء والمهتمين وأثريت بالنقاش والمداخلات، وكان رئيس يمنيون قد قال في بداية الندوة أنها -عقدت في 27 فبراير الماضي – تقام ومارب تدافع عن اليمن الكبير عن، الجمهورية اليمنية عن الجزيرة العربية، عن الأرض التي وضع معالمها وحدودها أبو الحسن الهمداني في كتابه “صفة جزيرة العرب” موطن اليمنيون الأول الممتد في كل أرجاء هذه الجزيرة المترامية الأطراف.  وأشار علي إلى أن معركة مارب هي معركة كل يمني حر، وكل عربي أصيل ينتمي لليمن أينما كان موطنه اليوم داخل وخارج حدود جزيرة العرب وشمال وشرق أفريقيا وأينما انتشرت الثقافة اليمنية العربية الأصيلة. وقال إن مارب تسطر اليوم ملحمة تاريخية اختلطت فيها القبيلة بالدولة بالجيش بكل الاحرار من كل ارجاء الجمهورية، لتعيد مارب كتابة التاريخ على مهل حتى تعود لليمنيين دولتهم المنشودة، موضحاً أن مارب اليوم تدافع عن التاريخ عن الهوية اليمنية عن الجمهورية عن الوجود اليمني الأزلي في هذه الأرض الطيبة، مؤكداً على أن معركة اليوم جمهورية خالصة، على خطى الشهيد القائد على ناصر القردعي، ووفقاً لمبادئ الجمهورية التي خطها القائد علي عبد المغني، وسار على خطاها القادة عبد الرب الشدادي وعبد الغني شعلان. مضيفا أن مارب هي بوابة النصر اليمني الكبير، وقادسية العرب الثالثة، منوها إلى أن بداية التاريخ اليمني الجديد تكتب هناك في مارب، كما كتبت أولى نقوشه فيها قبل بداية التاريخ.  

 

 

لمشاهدة الندوة على قناة يمنيون

شاركها:  

اشترك في نشرتنا ليصلك كل جديد

نعتني ببياناتك ونحترم خصوصيتك. للمزيد اقرأ  سياسة الخصوصية .