ذكرى 14 أكتوبر وإحياء الثورة

ذكرى 14 أكتوبر وإحياء الثورة
697 زيارة

المحرر

ذكرى 14 أكتوبر وإحياء الثورة

فيصل علي

“يا أصدقائي إن الله ضرورة لي لأنه الوحيد الذي يمكن أن يحبه المرء حباً أبدياً” دويستوفيسكي

الثورة اليمنية ليست بدعة بين ثورات العالم، لقد كابد شعبنا الويلات و عاش الناس في أقسى الظروف منذ عشرينيات القرن الماضي ، خرج اليمن بعد غياب طويل كعنقاء الرماد، بحثاً عن ذاته و هويته و دولته التي هي حق لا تنازل عنه تحت أي ظروف ، هذه الثورة التي رسمت معالمها في 17 فبراير 1948م كانت لأجل استعادة و بناء الدولة اليمنية وفقاً لهوية و طموح شعبنا و حقه في التعبير عن ذاته عبر بناء مؤسسات دولته المستقلة ذات السيادة، هاشمية سياسية في الشمال و احتلال إنجليزي في الجنوب … قاما بشطر خريطة اليمن و بناء كيانين مسخين هنا وهناك ، لكن هذا لم يستطع لي عنق الحقيقة ولم تكن الحركة الوطنية غير مدركة لهذا التمزيق المتعمد، فلقد تصدت لهذا التشطير القسري منذ الثلاثينات، بالإضافة إلى عدم الاعتراف بالتشطير و استمرار الحياة على الأرض كما هي و التنقلات استمرت في أجزاء البلاد بشكل طبيعي كما أن حركة الأسواق لم تتغير وظلت عدن هي السوق اليمنية لكل أبناء اليمن، ومثلت مدرسة الإمام البيحاني النواة لحركة المجتمع و مقاومة الاحتلال والهاشمية السياسية، فلقد أسس الإمام البيحاني (نادي الإصلاح العربي الإسلامي) سنة 1929 م في عدن ومن هناك بدأ التنوير و التثوير، وكان طلاب المعهد هم نواة الحركة الوطنية التي انتشرت في أنحاء البلاد.

الثورة فكرة مستنيرة أتت نتيجة لأسباب سياسية واقتصادية و اجتماعية و ثقافية، تحولت بفعل الوعي إلى حدث اجتماعي غيّر مجرى التاريخ، تعرضت الثورة اليمنية لضربات منذ بداياتها ولثورات مضادة في كل محطة من محطاتها الأربع :(1948 و 1962 و 1963 و 2011) هذه الثورات المضادة التي أتت متوازية مع الثورة في كل مراحلها لم تكن عفوية أو مجرد ردات فعل هي فعل مضاد لإنهاء فكرة قيام دولة في اليمن، والثورة هي في الأساس فعل جمعي لأجل إقامة الدولة، و وجود دولة في اليمن اعتبر خطراً يومها على الاحتلال و الهاشمية السياسية ، فإذا كانت مرحلتي 26 سبتمبر 1962 و 14 أكتوبر 1963 قد كسرت الاحتلال في الجنوب و الهاشمية السياسية في الشمال فإن ثورة 1948م كانت الأساس لإعادة بناء وترميم الذات اليمنية ووضع الفكرة الأولى للدولة ذات الدستور، وجاءت ثورة 11 فبراير 2011م لإعادة العمل بالدستور وإعادة الدولة من مهاوي السقوط الذي أوشك على الحدوث فكثير من التقارير كانت تتحدث قبل الثورة عن وصول الدولة إلى مرحلة الفشل.

الثورة هي يقظة الأمة وفعلها لمواجهة الأخطار، وليست فوضى ولا انفلات، الثورة في مرحلتها السبتمبرية انتجت التعليم من المدرسة إلى الجامعة والصحة وبناء منظومة الدولة وهيكلتها الإدارية، كما تم الاهتمام بالزراعة والصناعة وبدأ مصنع الغزل والنسيج وأتت الشركات الوطنية والبنوك، ومثل ذلك أنتجت الثورة الأكتوبرية، وبدأت اليمن تسير على خطى التنمية، فالثورات ليست مجرد تغيير جزئي بل تغيير كلي في المجتمع .. وفي السياسة والاقتصاد، مرحلة الستينات هي مرحلة ثورة في أرجاء المنطقة العربية، مع أنها جوبهت من قبل قوى الرجعية والاستعمار إلا أن الظروف الدولية ساعدت على بقاء الأنظمة الجديدة في ظل استقطاب دولي بين قطبي العالم المتمثل في الرأسمالية و الشيوعية، هذا القطبية لم تكن موجودة في 2011م ومن أدعوا دعم الديمقراطية و تصديرها تخلوا عنها مقابل إتاوات باهظة، لكن الثورات لا تموت مهما كانت الثورة المضادة قوية أو مدعومة من أنظمة خارجية ، فالثورات المضادة لا تعدو كونها مجرد ردات فعل تسقط بتقادم الزمن وبتأكل حججها ومبرراتها وانكشافها مع الأيام.

إن عملية الإحياء الثوري يجب أن لا تتوقف حتى تستمر الثورة في شق طريقها عبر العقول، العقل اليمني يجب أن يعمل وأن لا يسلم بالموجود، كما أن الإحتفاء بالثورة في أي من محطاتها الأربع يعطي دافعاً للجماهير أن تثور ضد كل ما يخالف بناء الدولة اليمنية المستقلة و ذات السيادة.

اليوم اليمن يعاني من محاولة تجهيل باليمن بذاته بحضارته بثقافته بهويته و دولته، والإحياء الثوري هو السبيل الأمثل لتصحيح مسارات الوعي الجماهيري، مقابل المال والطمع بالمال ينكر البعض يمنيته، و يسكت البعض حنقاً من ذلك، وهذا السكوت خاطئ فالمسألة ليست جدلاً عقيماً ، فمن ينكرون اليمن ينقصهم الوعي بحقائق التاريخ و دلالات الجغرافيا ، ومعرفة بالأنثروبولوجيا وبديمغرافية السكان، هناك نقص في الوعي وجهل بدلالات اللغة وبالشعر وبالقرآن العظيم وبالتاريخ وبكل الموروث الثقافي اليمني الكبير، ما بال القوم لا يفهمون أعظم شعراء العربية على الإطلاق امرؤ القيس الكندي وهو يرتل التاريخ و الجغرافيا كما يرتل الحب و المشاعر في كل أشعاره؟ في مطلع معلقته التي تعد الأولى بين معلقات من أتوا بعده يقول :
“قفا نبك من ذِكرى حبيب و منزل
بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ
فتوضح فالمقراة لم يَعفُ رسمهاَ
لما نسجتْها من جَنُوب وَشَمْأَلِ”
ففي اللغة اليمنية القديمة وهي لغة كل العرب الذي بقوا أو خرجوا من اليمن إلى كل أرجاء شبه الجزيرة العربية وكل الشرق الأوسط وشمال وشرق أفريقيا” القرن الأفريقي”، ففي شبه الجزيرة العربية كانت الجغرافيا شمال الجزيرة وجنوبها، شمال تعني الشام وجنوب تعني اليمن، واليمن أوسع واكبر من مسمى الجمهورية اليمنية اليوم، وهو ما نقصد به اليمن الكبير أو اليمن الطبيعي الممتد في معظم أرجاء شبه الجزيرة العربية، وهذا هو معنى (جَنُوب وَشَمْأَلِ) في مطلع معلقة امرؤ القيس، كما أن (يمنت) جزء من دولة ملوك اليمن الذين حكموا البلاد كلها، كان الملك يلقب بملك “سبأ وذو ريدان وحضرموت و يمنت وأعرابهم في المرتفعات و التهائم” و”يمنت” بحسب الأقاليم في الدولة الحميرية تشير إلى إقليم في جنوب البلاد.

هل اليمنيون اليوم يحتاجون إلى يمننة القضية الفكر و المفاهيم و الأهداف حتى لا يتيهون في الصحراء؟ ولما لا !؟
وكل هذا الهجوم على اليمن حضارة و إنساناً و هوية و دولة ، لا سبيل للتنازل عن الدولة ولا عن أساسها و هو الهوية اليمنية، مالم تستطع فعله دولتي سبتمبر و أكتوبر هو بناء دولة على أساس الهوية اليمنية الواضحة ، مع أن النية كانت موجودة لكن الظروف التي مرت بها البلد ومراحل الضعف قد تكون حالت دون ذلك، إن إنتزاع اليمن من ذاته و من هويته يمثل تحد كبير أمام اليمنيين اليوم، فانقلاب الهاشمية السياسية لا تعني له اليمن شيئاً، الانقلاب يريد إختلاق دولة على مقاسه الخرافي المزعوم، والمشاريع الصغيرة الجهوية والعصبوية تريد دولة لا تمس للواقع بصلة، وكل هذه الكيانات المشبوهة لا تنتمي للثورة اليمنية ولا لمرحلتي 26 سبتمبر 14 أكتوبر، فكلا الدولتان اللتان تشكلتا في جزئي اليمن أطلقت اسم اليمن على مسماها الجديد: ( الجمهورية العربية اليمنية في الشمال و جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب) كانت الحركة الوطنية في الستينات عبارة عن فكرة وطنية تشكلت في 1948م وهي امتداد لنخبة 1929م التي صنعاها إمام اليمن البيحاني وغرسها مع رفاقه القاضي الخطيب والشاعر محمد محمود الزبيري، و الأستاذ الخطيب الفقيه محمد أحمد نعمان، جمعت بينهما عدن والقاهرة ، وهما منارتا العروبة والإسلام في ذلك العهد المناوئ لقوى الاستعمار و الرجعية المدعية للحق الإلهي والرجعية في خطاب حركة التنوير في تلك المرحلة هي ما نسميه اليوم بالهاشمية السياسية.

وللأسف اليوم بعض الدوائر الرسمية والشخصيات التي في الواجهة بدأت تتراجع عن فكرة المد الثوري المنتمي لثورة 11 فبراير2011م لوقوعها في حبائل الثورة المضادة، ولأنها لم تتخلص من عدائها للثورة السلمية، و هذه الشخصيات فعلياً لا تربطها بالثورة اليمنية سوى الاحتفالات المزيفة بمناسبات سبتمبر وأكتوبر، فإذا كانت ثورية بمعنى انتمائها للثورة اليمنية قبل 2011م كما تدعي فلماذا تتهرب من ذكر ثورة 14 أكتوبر أو الاحتفاء بها؟!
حتى لا تجرح الاحتلال أو تخدش حيائه مثلاًً ، أو حتى لا يُظن بها الاحتلال المتجدد ظن السوء، إننا أمام نسخ مشوهة مهزوزة ليست الثورة عندها إلا وصول إلى كرسي و منصب وموقع قيادي ، وبسبب وجود هؤلاء البعض فإن عجلة التقدم واقفة، والمشاريع الصغيرة تتكاثر، لكن الثورة قدر الأمة اليمنية، و لا مفر من قدر، وكل الاستحقاقات الثورية ستتحقق ولو بعد حين، والنصر أقرب مما يتخيل الواهمون أو الحالمون.

إعادة نشر/ نشر هذا النص في 15/10/2018

إقرأ للكاتب أيضاً تصحيح مسار الثورة اليمنية

في ذكرى الثورة اليمنية كيف نوقف الانقلابات؟ فيصل علي

الجمهورية اليمنية: الهوية السياسية لليمن الكبير

شاركها:  

اشترك في نشرتنا ليصلك كل جديد

نعتني ببياناتك ونحترم خصوصيتك. للمزيد اقرأ  سياسة الخصوصية .