إلى رسول الله

Published:
المشاهدات:
2067
إلى رسول الله

 

فيصل علي 

إلى رسول الله
المسجد النبيوي/ المدنية المنورة

الصلاةُ والسلامُ عليك يا محمد يا رسول الله، أناجيك ولا صدقة لي أقدمها بين يديك، سوى إعلان حبي لك وإيماني بعظمة رسالة السماء التي جئتَ تحملها لنا، نحن بنو أبيك آدم عليكما السلام، لا أدري كيف أَبْتَدِئَ هذه الأسطر الشاردة، ولكن علىَّ إخبارك ببعض الأمور التي من الصعب أن أصارح بها غيرك، ولأن طبعي البشري عجول، وليس لديَّ صبر حتى ألقاك يوم القيامة وما بعده، أبعث إليك التحية الآن وأما بعد:

 

هالني ما جرى أمس قرب محرابك* من عمل همجي أوجع عظامي، وأنا البعيد عنك فكيف بمن قربوا، والمتهم فيها هو جهلنا ثم غبائنا نحن قبل غيرنا.  نحن الذين تبدلنا عنك وصارت لنا طُرقاً لم تخطها بيدك، لقد سيدناك بعد موتك ونسينا أنك لم تقبل السيادة، وملكناك بعد رحيلك وأنت لم تقبل الملك، ككل الناس تمشي في الأسواق، ووضعنا الحواجز بينك وبين الناس، وخلقنا العداوة مع الملل ونفرناهم، ظناً منا أننا ننصرك بالتعالي على من جئت إليهم رحمة من ربك العظيم.

 

لا أستطيع أن أُعرف نفسي تعريفاً ماضوياً بين يديك، إلا أن الناس قد انقسموا إلى سنة وشيعة، وأظن نفسي متعافٍ من هذه الأوصاف الصغيرة، وأنا ليس لي فيها ناقة ولا جمل، متمسكاً بحقي فيك، مُسلماً كما أخبرت، وأوضحت، إسلاماً بسيطاً لا عُقد فيه و لا زيادات مُلهية ولا نقص مقصود، أصلي قائماً وقاعداً وبعينيَّ أحياناً وأحياناً لا أفعل، وأصوم وأفطر وإن استطعت الحج فعلت وإن لم فلستُ بمكلف، وهذه جلّ رسالتك التي أخبرتنا بها، عن ربك.

 

كم كان خطابنا فاشلاً ونحن نقدم رسالتك البسيطة السهلة للناس، فترتفع نسب التعصب والجنون، كان لإخفاقنا ما يدعمه من إخفاق أصحابك، الذين تقاتلوا على الملك من بعدك وكأنك كسرى ولست محمد، ولقد ذهبت قريش بالملك وذهبنا بك نحن أهل اليمن، وهكذا بدأت رحلة العذاب لهذه الأمة التي تركتها خلفك.

 

خالطني الشك فيما حصل وكرهت التبريرات كلها، وجئتُ إليك اليوم معتذراً عن جهلي متمسكاً بك كقداسة  وعصمة، مُصلياً عليك وحدك حتى يعود الهدوء وينتهي هذا الضجيج، يا خاتم رسل السماء وآخر الأغصان في شجرة الأنبياء، أشهد أنك رسول الله لا وصي ولا شريك في النبوة  معك ولا من بعدك، ولا ولد لك ولست أبا لأحد من رجال الطوائف، يا رفيق المساكين يا أجمل الطيبين، لقد ذهب بعيداً من يدعون أنهم أهلك وخاصتك ولحقت بك بناتك ونِسَاءَكَ، ولا نسب لأحد منك بعدك، وجعل من العالمين أمتك، وكما ختم الله بك الرسالة فإنه أوقف نبت الشجرة المباركة الممتدة من إبراهيم عليه السلام إليك يا رحمة الله لعباده.

 

أنا اليوم أتيتُ لأجدد لك البيعة بالرسالة، وأنا العائد بك كأسلافي اليمانيون، أشهد أنك عبد الله ورسوله،  مؤمناً بعالميتك قبل ظهور العولمة، نافياً عنك القروية والقبلية،  وقد قطعتَ الطريق على كل من يكذب مدعياً أنك خاصته ولست رحمة للعالمين ، وكل كاذب متحوز بنسبك له فلا أصل لما يقول عندي.

 

اليوم وبعد مرور 1426 عاما على رحيلك عنا، علينا أن نُقرّ ونعترف أنه لا شرف لقريش قبلك ولا بعدك إلا بك، وكل من خالفك سواء أدعى كذباً صلةً ونسباً بك، أو علماً أو إيماناً وجاء بغير التسامح والسلام والأمان والصدق والمحبة للبشرية فهو على غير ملتك، فليبحثوا لهم عن جزار آخر، وصانع عبوات ناسفة نوبلي لا محمدي.

 

يا رسول الله ربما لم أستطع أن أوجز لك المشكلة بلغة الفقهاء والخطباء والشعراء  وأصحاب اللغات المقعرة،  لكن دعني أشرح لك الأمر بطريقتي البسيطة، أنا المؤمن بك لست مُلزماً بالإيمان بقبيلتك، ولا علاقة لي بما قبل بعثتك ولا بخلافات صحابتك، مؤمنٌ بك وبرسالتك، لا أموياً ولا علوياً ولا عباسياً، ولا أيَّاً من الهالكين بل يمانياً، عائداً بك تاركاً الغنائم لمن سبق،  أعلم أنك تفهمني، وهذا ما يهمني من رسالتي هذه، وصلاة وسلام ربي عليك يا أخاً لكل الطيبين ويا مُعلماً لكل الحالمين بالحق، ويا رمزاً لكل من لا يريدون علواً ولا فساداً في الأرض، جئتُ إليك ومعي قلوب من خلفي من البسطاء على وجه الأرض قاطبة، لأقول لك عفواً فقد أزعجك الغوغاء وقصدوا إيذاءك بالدم، يا من حفظت دماء البشر وأتممت مكارم الأخلاق، يا أخ موسى وعيسى ويونس وذا الكفل،  يا ابن إسماعيل وإبراهيم، يا كل البشر، فكل خير اليوم في قلوب البشر هو أنت يا محمد الرسول.

 

*قبل نشر هذا النص بأيام قليلة وقع تفجير قرب المسجد النبوي في المدنية المنورة.

نشر في صفحة الكاتب على الفيس بوك في 6 يوليو 2016م

 

اقرأ لكاتب أيضاً إلى الله

expanded image