قصيدة الشاعر طارق السكري صحوة البن

Published:
المشاهدات:
2148
صحوة البن

 

سَـرِّحْ عَـلـى الـبُـنِّ طَـرْفَـاً غَـيرَ مُـمتهنِ
يَاأيُّـهـا الـقـلـبُ وَاطـبـعْ قُـبـلةَ الـشَّـجنِ

رَبِّـــتْ عـلـى كَـرْمـةٍ لـلـفجرِ مــا نـبـتتْ
إلا عــلــى تـــربــةٍ عُــلــوِيَّـةِ الــسَّــكـنِ

وَاسْـكبْ مِن الـوَجدِ ماءَ العينِ .. لؤلؤةً
كَــأنَّـهـا شَـامَــةٌ فــــي وَجْــنــةِ الـيـمـنِ

مـــا كــان إلا عَــصِـيَّ الــدَّمـعِ صَـاحـبَه
فَـاسْـمحْ لــه مـا تـرى مـن دمـعه الَّـلدُن

مِـن مـوطـن الـبنِّ .. رفَّـافٌ عـلى شـفةٍ
‏كَـالـضَّوْءِ هـذا الـنِّـدا الـمـمزوجُ بِـالمُزُنِ

وَشَّحْـتُ بـالـسِّحْر مـمـا فــي مُـخَيِّلتي
مــن عـبـقـر الـخـلـدِ والأيَّـــامِ والـسُّـننِ

وجـئـتُ أشدو .. وروحـي نــارُ قـافـيةٍ
عــلى أثـيـرِ الـهـوى والـحـبِّ تـحـملني

قــالـوا إلــى اللهِ تُـنـمى بـلـدةٌ سَـكـنت
بـاسـم الـصّـبابات بـيـن الـرُّوح والـبدنِ

فــإن بـعُـدنا -ولــو فــي الـحـلم- نـبّـهنا
مِــن نـومنا الـشَّـوْقُ نَـزَّاعاً إلـى الـوطنِ

فـكيف لـو أرعـدتْ سُحْبُ الـنَّوَى بَـدَداّ
وفــرَّقـتْ بـيـن جفـنِ الـعـينِ والـوسـنِ

قـربـى إلـى اللهِ قـولوا كـيف نـبرأ مـن
‏هذا الـبِعادِ وَنـشْفى مِـن أسى المحن ؟

لا أوْحَـــشَ اللهُ بــــدراً فــــي مـنـازلـها
يوماً ولا مـسَّ طـرفَ الأغـيدِ الـشَّدِنِ .

حُـيِّـيتَ مـن شـاعرٍ .. أرضُ الـعراقِ بـهِ
تــزهـو عـلـى سَـائـر الأقـطَـارِ والـمـدنِ

في كـلِّ حـرفٍ سـرى نبضُ الفراتِ وما
قد فاضَ مِن دَجلةٍ ..في شِعرهِ الحَسنِ

أهلاً عـلى الرَّحْبِ فَانْزِلْ في حِمى سبأٍ
مِـن أرضِ قحطان بـين الـنَّاسِ والزَّمنِ

قـتـبانُ .. كَـهْـلانُ .. قـاماتٌ لـهـا سُـرُجٌ
فـي الأبـجـديَّاتِ تـجـلو حـالكَ الـدُّجُن

هُـمو الأُلى نَـصَّبوا فـي الـمجد رايـتهم
وأوقـــدوا بـالـسَّـنـا فــوَّاحــةَ الــفـطـنِ

مِـن أرضِ بـلـقيس .. والـتاريخُ جَـانِبَهَا
بَـحـرٌ يَـحُـومُ عـلـيهِ نَــوْرسُ الـسُّـفُنِ ؟

مِـن كــلِّ صَــوْبٍ يَـهِلُّ الـخيرُ .. بَـارَكَهَا
رَبٌّ وَأسْــعَــدَهَـا قــلــبٌ كَــمَــا الَّــلـبَـنِ

لــمّـا أهَــلَّــتْ أمَـاسِـيـهَـا عــلـيـك أمـــا
ضَـمَّـتـك أفـلاكُـهـا الـغَـرَّاءُ بِـالـحُـضُنِ؟

أمَـــا شَـمَـمْـتَ الـــذي الــرَّيَّـانُ بـاعـثُـهُ
فـي جَـوِّها الـحُلوِ مَـمْهُوراً بـكلِّ هَـنِي؟

في سَـجْسجٍ مـن نـعيمِ الـرَّوْضِ تـلقفُهُ
مــن الــهـواء كـطـفـلٍ ضَــاحـكٍ لَــسِـنِ

اللهَ مِــن جَــوِّهـا الــشَّـادي وَأَعْـجَـبُـنِي
أنِّـي بــهِ غِـبـتُ حـتـى لـم أعُــدْ أَرَنــي

تـلـك الجبالُ عـلى مـن بـالهدى طـلعت
والأرضُ مِـن تـحـتها مُـهـرٌ بـلا رَسَـنِ ؟

هَـيَّـابَـةُ الـطَّـالـعِ الـمَـيْمونِ قـد خُـلـقت
تـاجـاً لِأَوْسَـــانَ أو سـيـفَـاً لِـــذِي يَــزَن

في عـيـن كــلِّ صـبـيٍّ سـوف تُـبصِرُها
مـعـتـمّةً بـالـسَّـحابِ الـخُـضْـرِ والـمِـنـنِ

أَرْخَــى عَـلـى كِـتْـفِهَا الـرَّحْـمنُ رَاحـتَـهُ
عـــزّاً .. وشَــجَّـرهـا بـالـنُّـبل والــرَّصَـنِ

لـكن قَـضَى الـبُعدَ عَـنها .. فَـهْيَ هَـاربةٌ
بـين الـنُّجومِ وَغَـرْقَى نَحنُ فـي الأسَنِ

يَاشَاعرَ الـعُرْبِ .. هـذي نـارُهم سطعت
عَـادَ الـمَجُوسُ. وهل عادوا؟ أتسألني؟

سـبــعٌ عــجــافٌ وعــشـرٌ .. لامــواربـةٌ
حَـتَّى غَـصَـصْنا بِـطـعمِ الـمـاءِ والـوَهن

قـد ذاقـنـا بـعـضُ نــاسٍ كـأسَ مـظلمةٍ
وَبـــدَّلــوا الــحَـقَّ وَالـتـنـوِيـرَ بِـالـعَـفَـنِ

وَأَرجَــعُـوا ألــفَ لــيـلٍ كـــان مُـنْـطَـمِراً
خـلف الـقرون .. وعـهداً لُـفَّ فـي كـفنِ

وَصَـيَّـروا الــنـاسَ أشـبـاحـاً مُـصَـوَّحَـةً
مِـن شِــدَّةِ الـجـوعِ وَالإمـلاقِ والـضَّغَنِ

كَـانتْ بِلادي مَـراعِي الـغَيثِ .. وَاأسَـفَا
أضْــحَـتْ كَـمُـسْـتنقَعٍ لِـلـقـتلِ وَالـفِـتـنِ

هَــلْ حدَّثـتك الـدَّوَالي يـومَ جُـلتَ بـها
طَـرْفَـاً وَعَادَ إلـيكَ الـطَّرْفُ فـي قَـرَنِ؟

مَــا إنْ لـقـيتُ الـهـوى إلا وَرَحَّــب بــي
لـكـنَّـهُ الـيـومَ ألــوَى .. لـيـس يـعـرفني

كــــان الـــــولاءُ لـبـلـقـيسٍ وَحِـكـمـتِـها
والــيوم أضـحـى لآلِ الـشَّـاهِ وَالـسَّـدَن

أمـشي على شَـفْرَةِ الـنُّكْرانِ في عَـجَلٍ
وَالـمَوْتُ مِن شُـرْفَةِ الـهِجْرانِ يَرصُدني

تَـخَـيَّـرَتـنـي الـمـنـايـا لــلـنَّـوَى .. فـأنــا
نــقـش عـلـى قُـبَّـةِ الأحــزان أَرْسُـمُـنِي

مـاذا عـلى جـمرة الـتَّنهيد تَـهْمِسُ لـي؟
قد مَـسَّني الّـلفحُ مِـن جـنبيكَ بـالدَّخَنِ

وَغَـارَ في بِـئرِ روحي الحزنُ ليس يُرَى
لـو أغرقَ الـضَّوْءُ وجـهَ الـحزنِ لـم يَبِنِ

أمضي إلى الموت؟ذَا حَظِّي وَذَا قَدَرِي
وَيَـمْرَعُ الـمَوْتُ في خَـطْوِي وَيُـشعِلني

ياشَـاعرَ الـعُـرْبِ كَـفْـكِفْ دمـعـةً بَـرَقَتْ
فَالبعثُ مِـن بَـرْزخِ الـنِّسيان مـن دَدَنِـي

أنـا الـيـمانيُّ فــي حِـلِّـي وفــي سـفري
أطــوي ديـاجـيـر أوجــاعـي وأبـعـثني

هَذي بِـلادي .. لـكم قـد طَـوَّحَتْ يَـدُهَا
أرضـاً ، وكـم أسقطت أفْـقَاً مِـنَ الإحِـنِ

كَــأنَّــهَـا قَــلــعـةٌ والـــرِّيــحِ تـعـصِـفُـهـا
فَــلم تُــبَـارِحْ .. كَــأنَّ الـرِّيـحَ لــمْ تَـكُـنِ

سِـبْتمْبرٌ فِي طـريقِ الـفجرِ .. فِـي يَـدِهِ
أكـتـوبـرٌ تَــحتَ عَـــرْشِ الْـبـنِّ وَالْـفَـنَنِ

يَاشَـاعـرَ الــعُـرْبِ فَـانْـظرْ هَـاهُـنَا يَـمَـنٌ
مَــا كَــانَ عَـن شَــدوِهِ شَـيءٌ يُـؤَخِّرُني

 

----------------------------

قصيدة صحوة البن . مهداة إلى شاعر العراق الكبير محمد محمود الجواهري ( عندما زار الشاعر العراقي اليمن قال قصيدة مطلعها :

من موطن الثلج زحّافا إلى عدن

تسري بي الريح في مهر بلا رسن

 

ألقيت هذه القصيدة في حفل للجالية اليمنية في ماليزيا بمناسبة عيدي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين بتاريخ ١٤ أكتوبر ٢٠٢٠

 

expanded image