صفحةٌ من أوراقِ الجُـرْهُـمِيِّ الأخير
أنا نازحٌ ، وأنا على جرحي أسير
مَن ؟ قلتُ لي
والفجرُ شرطيٌّ ، يُسيءُ الظنَّ بالأغرابْ
مِنْ لا جديدْ
:(ستموتُ بعثاً من جديدْ
الموتُ فاتحةُ النشيد )
الصوتُ كان يصبُّ في أذني ،
وقلبي كان يمضعهُ التراب
والوقتُ أغنيةٌ على شفةِ السرابْ
والصوتُ غضٌّ كالشباب
وأنا على جرحي أسير
مِن برزخٍ ، قَدمي مهرولةٌ ، على عينيَّ مكتوبٌ : غريبْ
والبحر يصرخ : يا غريبْ
وإلى متى والصوت ينفخ في الرماد؟
مِن لا بلادْ
ستقوم عند الفجر تركض في مكانك بين غابات السطورْ
لا حِسَّ حولك غير شَكْشكةِ السلاحِ
وغير حشرجة الصخورْ
من برزخٍ للغيب كان يُطِلُّ صوتُك ياغريبْ
– يا أيها الـ سِيزِيفُ ، هذا منطقٌ صعبٌ ،
– ولكني انتصرتُ على الرُّفاتْ
ونفضتُ عن شفتي السُّباتْ
ونقضتُ كلَّ قوالبي
ونفذتُ مِن شَرَكِ الأساطيرِ القديمةِ ،
وانقلبتُ عليكْ
ما عدتُ أحمل صخرةً غيري ،
وأعلى قمَّة شفتي
سأغرسني هناكْ
قلمي ، وأشعاري سواكْ
لا ، ليس يغريني رضاكْ
وأنا على جرحي أسير
الحزنُ صار توهُّجي ، ودمُ العناقيدِ
ونديمتي “إنِّي” وشحرورُ المواعيدِ
وأنا أريكةُ “إنِّي”
وأبي أنا وحدي ، وسيِّدُ “إنِّي”
وأنا انفصالٌ واتِّصالْ
وأنا القديمُ أنا الجديدُ
أنا التناقضُ
والشهودُ أنا الغيابُ
أنا الكمالْ
وأنا اختياري ، وانتفاضةُ “إنِّي”
وأنا النهارُ أعودُ في عزِّ الشتاءْ
وأنا ذخيرةُ موطني عادتْ لتلتهمَ الشقاءْ
وأنا على جرحي أسير
غَصَبتْ مراكبيَ الرياحْ
وشراعُ أزمنتي انطفا
والبحرُ أحزابُ
والأفقُ سردابُ
وَحُداءُ بوصلتي غرابْ
غَرقٌ ، ودربُ مشيئتي غَرَقُ
وسحائبٌ غَرَقُ
ورفاقنا غَرَقُ
كذبوا وما صدقوا
سلخوا من الليل البهيمِ
وأوغلوا ، والشعبُ كان يغُطُّ في دَعَةٍ
ويسبحُ في حريرٍ من وعودْ
دخلوا عليهِ الدارَ واقتحموا
نهبوا وما رحموا
هتكوا وما احتشموا
قادوهُ من عينيهِ / من شفتيهِ
شَدُّوهُ من قدميهِ
ألقوْهُ في النيرانْ
حتى إذا ما أقبل الصبحُ
صنعوهُ تمثالاً وباعوهُ
بحرٌ هُمُ غُدُرُ
ملحٌ وجوههمٌ ، وحديثهمُ ملحُ
وضميرهمْ ، ووعودهمْ ، وطلوعهم ملحُ
وأرائكٌ ملحُ ، ومكاتبٌ ملحُ
وحكومةٌ ملحُ
بحرٌ هُمُ غُدُرُ
ليس الغزاةُ سواهمُ عبروا
نبشوا خبايا الأرضِ
كالجرذانِ ، كالدّيدانْ
نهبوا سيوفَ الله والقرآنْ
كانت مخدَّرةً ، وجرحُ ذراعها بحرُ
وزفيرُها عمْرُ ، وجبينها عذرُ
بلقيسُ حين أتَوْا بها مِن خيمةِ الضِّيفانْ
البردُ فارَ ، وقامَ من قبر الحَنادسْ
أيلولُ ، وانتفضتْ على البحرِ النَّوارسْ
البردُ فارَ ، وثار في الأرجاءِ صوتٌ من قديمْ
هو صوتُ أسلافي العظيمْ
وتساقطتْ شُهُبُ ، وتوقَّدتْ كتبُ
وتحرَّكت قيعانُ
وتواثبتْ ، تمشي على أجفانها الخِلجانُ
وانهدَّ سقفُ البحرْ
وأنا على جرحي أسير
ترنيمتي “إنِّي” هنا وأنا هنا
وأنا أنا للشمسِ عَرَّافُ
أنا ظِلُّها في الأرضِ/ نخلٌ ، راهبٌ في الليلِ
أتلو جذوةً من نار
وأنا لموسمها القِطافُ
الشمسُ حَوَّائي ، وما لي غيرها أمٌّ وحزني أمُّها ، وأنا أبوها التُّبَّعيُّ ، وعصرُها الحالي ، وآتيها الجديدُ ، وجوهرُ
وأنا إذا غامتْ ، وغشَّاها الطغاةُ المصدرُ
وأنا إذا ما البحرُ هاجَ وأسقطتها لجَّةٌ شمطاءُ ، لمَّا تستغثْ ، كَفِّي لقاربها الضِّفافُ
وأنا على جرحي أسير
مِن لا بلادْ
قدري بأن تمشي خطايَ إلى الشمال
ويدايَ راحلتي .
وأعود من أقصى النهايةِ للبدايةْ
لم أنتظر أحداً ، ففرساني القصيدة
وأسير من أقصى البدايةِ للنهايةِ ، هازماً لغتي وأزمنتي البعيدة
وأسيرُ .. حيث تحطُّ راحلتي بلادي
لم أنتظر أحداً على
جرحي
أسيرْ
طارق السكري
ماليزيا – أغسطس
7/8/2021