حكاية مولانا جلال الدين الرومي وشمس التبريزي، مع نص القواعد قواعد العشق الأربعون

Published:
المشاهدات:
1013
قواعد العشق الأربعون

قواعد العشق الأربعون

شمس الدين التبريزي

 

شمس الدين التبريزي هو شاعر فارسي وعارف متصوف، يُنسب إلى مدينة تبريز ويُعتبر المعلم الروحي لمولانا جلال الدين الرومي. اشتهر بكتابه "ديوان التبريزي" (الديوان الكبير) الذي يدور حول العشق الإلهي. قام برحلات عدة شملت حلب، وبغداد، وقونية، ودمشق. أخذ التصوف عن الشيخ ركن الدين السجاسي، وتتلمذ عليه جلال الدين الرومي.

 

حياته وأثره:

اعتكف شمس التبريزي وجلال الدين الرومي أربعين يوماً في مدينة قونية لكتابة "قواعد العشق الأربعون". بعدها، غادر شمس التبريزي إلى دمشق ثم عاد إلى قونية. كان أحد الدراويش وابن الإمام علاء الدين. وفقاً للروايات، راودته رؤى وهو في العاشرة من عمره، فأخبر والده بها لكنه لم يصدقه. بعد مدة، ترك منزله وبدأ التجوال، ولم يكن يقيم في مكان واحد لأكثر من ليلة واحدة بسبب كثرة ترحاله.

أسلوب حياته:

كان شمس التبريزي يكسب رزقه من تفسير الأحلام وقراءة الكف، إلا أنه واجه شكوكاً وسخرية من الناس الذين وصفوه بـ"المجنون". ادعى أنه كلم الله والملائكة في رؤاه، لكن لم يصدقه كثيرون.

علاقته بجلال الدين الرومي:

في عام 1244م، التقى التبريزي بالشاعر جلال الدين الرومي، المعروف آنذاك بلقب "مولانا". شكّل هذا اللقاء نقطة تحول في حياة كل منهما. تحول الرومي من رجل دين تقليدي إلى شاعر يفيض بالعاطفة، وصوفي ملتزم، وداعية للحب. لكن العلاقة الوثيقة بينهما بدأت تتوتر تدريجياً، حتى انفصلا بشكل مأساوي بعد ثلاثة أعوام.

اختفاؤه ووفاته:

وفقاً للتقاليد الصوفية، اختفى شمس التبريزي في ظروف غامضة. هناك روايات تقول إنه قُتل على يد تلاميذ جلال الدين الرومي بسبب غيرتهم من علاقتهما. لكن روايات أخرى تشير إلى أنه غادر قونية وتوفي في مدينة خوي، حيث دُفن. له ضريح هناك بجانب نصب تذكاري في حديقة مخصصة له. وقد رُشح ضريحه ليصبح أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو.

 

قواعد العشق الأربعون

 

القاعدة الأولى:

"إن الطريقة التي نرى فيها الله ما هي إلا انعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا. فإذا لم يكن الله يجلب لنا سوى الخوف والملامة، فهذا يعني أن قدراً كبيراً من الخوف والملامة يتدفق إلى قلوبنا. أما إذا رأينا الله مفعماً بالمحبة والرحمة، فإننا نكون كذلك."

القاعدة الثانية:

 

"إن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب لا من الرأس. فاجعل قلبك، لا عقلك، دليلك الرئيس. واجه، تحدَّ، وتغلب في نهاية المطاف على النفس بقلبك. إن معرفتك بنفسك ستقودك إلى معرفة الله."

 

القاعدة الثالثة:

"يمكنك أن تدرس الله من خلال كل شيء، وكل شخص في هذا الكون، لأن وجود الله لا ينحصر في المسجد أو الكنيسة. لكن إذا كنت لا تزال تريد أن تعرف أين يقع عرشه بالتحديد، يوجد مكان واحد فقط تستطيع رؤيته فيه: قلب عاشق حقيقي. فلم يعش أحد بعد رؤيته، ولم يمت أحد بعد رؤيته. فمن يجده يبقَ معه إلى الأبد."

 

القاعدة الرابعة:

"يتكون الفكر والحب من مواد مختلفة؛ فالفكر يربط البشر في عُقَد، لكن الحب يذيب جميع العُقَد. الفكر حذر على الدوام، وهو يقول ناصحاً: احذر الكثير من النشوة، بينما يقول الحب: لا تكترث، أقدم على هذه المجازفة. في الوقت الذي لا يمكن للفكر أن يتلاشى بسهولة، فإن الحب يتهدم بيسر ويصبح ركاماً من تلقاء نفسه. لكن الكنوز تتوارى بين الأنقاض، بينما يخبئ القلب الكسير كنوزاً."

 

القاعدة الخامسة:

"تنبع معظم مشاكل العالم من أخطاء لغوية ومن سوء فهم بسيط. لا تأخذ الكلمات بمعناها الظاهري مطلقاً. وعندما تلج دائرة الحب، تكون اللغة التي نعرفها قد عفا عليها الزمن. الشيء الذي لا يمكن التعبير عنه بالكلمات لا يمكن إدراكه إلا بالصمت."

 

القاعدة السادسة:

 

"الوحدة والخلوة شيئان مختلفان. فعندما تكون وحيداً، من السهل أن تخدع نفسك، ويخيَّل إليك أنك تسير على الطريق القويم. أما الخلوة فهي أفضل لنا، لأنها تعني أن تكون وحدك من دون أن تشعر بأنك وحيداً. ولكن من الأفضل لك في نهاية الأمر أن تبحث عن شخص يكون بمثابة مرآة لك. تذكر أنك لا تستطيع أن ترى نفسك حقاً إلا في قلب شخص آخر، وبوجود الله في داخلك."

 

القاعدة السابعة:

 

"مهما حدث في حياتك، ومهما بدت الأشياء مزعجة، فلا تدخل ربوع اليأس. إن الله سيفتح درباً جديداً لك حتى لو بقيت الأبواب كلها موصدة. احمد ربك! من السهل أن تحمد الله عندما يكون كل شيء على ما يرام. الصوفي لا يحمد الله على ما منحه الله إياه فحسب، بل يحمده أيضاً على كل ما حرمه منه."

 

القاعدة الثامنة:

 

"لا يعني الصبر أن تتحمل المصاعب سلباً، بل يعني أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بالنتيجة النهائية التي ستتمخض عن أي عملية. ماذا يعني الصبر؟ إنه يعني أن تنظر إلى الشوكة وترى الوردة، أن تنظر إلى الليل وترى الفجر. أما نفاد الصبر فيعني أن تكون قصير النظر ولا تتمكن من رؤية النتيجة. إن عشاق الله لا ينفد صبرهم مطلقاً، لأنهم يعرفون أن الهلال يحتاج وقتاً لكي يصبح بدراً. لقد خلق الله المعاناة حتى تظهر السعادة من خلال نقيضها؛ فالأشياء تظهر من خلال أضدادها، وبما أنه لا يوجد نقيض لله، فإنه يظل خفياً."

 

القاعدة التاسعة:

 

"لا تحكم على الطريقة التي يتواصل بها الناس مع الله. فلكل امرئ طريقته الخاصة وصلاته. إن الله لا يأخذنا بكلماتنا، وإنما ينظر في أعماق قلوبنا. وليست المناسك أو الطقوس هي التي تجعلنا مؤمنين؛ بل كون قلوبنا صافية أم لا."

 

القاعدة العاشرة:

 

"لا يوجد فرق كبير بين الشرق والغرب، والجنوب والشمال. فمهما كانت وجهتك، يجب أن تجعل الرحلة التي تقوم بها رحلة في داخلك. فإذا سافرت في داخلك، فسيكون بوسعك اجتياز العالم الشاسع وما وراءه."

 

القاعدة الحادية عشرة:

 

"عندما تجد القابلة أن الحُبلى لا تتألم أثناء المخاض، فإنها تعرف أن الطريق ليس سالكاً بعد لوليدها، وأنها لن تضع وليدها لهذا السبب. فلِكي تولد نفس جديدة، يجب أن يكون هناك ألم. وكما يحتاج الصلصال إلى حرارة عالية ليشتد، فإن الحب لا يكتمل إلا بالألم."

 

القاعدة الثانية عشرة:

 

"إن السعي وراء الحب يغيرنا، وما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته. وما إن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغير من الداخل ومن الخارج."

 

القاعدة الثالثة عشرة:

 

"يوجد معلمون مزيفون وأساتذة مزيفون في هذا العالم أكثر عدداً من النجوم في الكون المرئي. فلا تخلط بين الأشخاص الأنانيين الذين يعملون بدافع السلطة، وبين المعلمين الحقيقيين. المعلم الروحي الصادق لا يوجه انتباهك إليه، ولا يتوقع طاعة مطلقة أو إعجاباً تاماً منك؛ بل يساعدك على أن تُقدر نفسك الداخلية وتحترمها. إن المعلمين الحقيقيين شفافون كالبلور، يعبر نور الله من خلالهم."

 

القاعدة الرابعة عشرة:

 

"لا تحاول أن تقاوم التغييرات التي تعترض سبيلك؛ بل دع الحياة تعيش فيك. ولا تقلق إذا قلبت حياتك رأساً على عقب. فكيف يمكنك أن تعرف أن الجانب الذي اعتدت عليه أفضل من الجانب الذي سيأتي؟"

 

القاعدة الخامسة عشرة:

 

"إن الله منهمك في إكمال صنعك من الخارج ومن الداخل. إنه منهمك بك تماماً، وكل إنسان هو عمل متواصل يتحرك ببطء، لكن بثبات نحو الكمال. كل واحد منا هو عبارة عن عمل فني غير مكتمل يسعى جاهداً للاكتمال. إن الله يتعامل مع كل واحد منا على حدة، لأن البشرية لوحة جميلة رسمها فنان ماهر، تتساوى فيها جميع النقاط من حيث الأهمية لإكمال الصورة."

 

القاعدة السادسة عشرة:

 

"من السهولة بمكان أن تحب إلهاً يتصف بالكمال والنقاء والعظمة. لكن الأصعب من ذلك أن تحب إخوانك البشر بكل نقائصهم وعيوبهم. تذكر أن المرء لا يعرف إلا ما هو قادر على أن يُحبه. فلا حكمة من دون حب. وما لم نتعلم كيف نحب خلق الله، فلن نستطيع أن نحب حقاً، ولن نعرف الله حقاً."

 

القاعدة السابعة عشرة:

 

"إن القذارة الحقيقية تقبع في الداخل. أما القذارة الأخرى فإنها تزول بغسلها. وهناك نوع من القذارة لا يمكن تطهيره بالماء النقي، وهو لوثة الكراهية والتعصب التي تدنس الروح. نستطيع أن نطهر أجسامنا بالزهد والصيام، لكن الحب وحده هو الذي يطهر قلوبنا."

 

القاعدة الثامنة عشرة:

 

"يقبع الكون كله داخلك. كل شيء تراه حولك، بما في ذلك الأشياء التي قد لا تحبها، وحتى الأشخاص الذين قد تحتقرهم أو تمقتهم، يقبعون داخلك بدرجات متفاوتة. لا تبحث عن الشيطان خارج نفسك أيضاً. فالشيطان ليس قوة خارقة تهاجمك من الخارج، بل هو صوت عادي ينبعث من داخلك. فإذا تعرفت على نفسك تماماً، وواجهت بصدق جانبيك المظلم والمشرق، عندها تبلغ أرقى أشكال الوعي. وعندما تعرف نفسك، فإنك ستعرف الله."

 

القاعدة التاسعة عشرة:

 

"إذا أراد المرء أن يغير الطريقة التي يعامله فيها الناس، فعليه أولاً أن يغير الطريقة التي يعامل بها نفسه. وإذا لم يتعلم كيف يحب نفسه حباً كاملاً صادقاً، فلا توجد وسيلة يمكنه فيها أن يجعل الآخرين يحبونه. لكنه عندما يبلغ تلك المرحلة، سيشكر كل شوكة يلقيها الآخرون عليه، فهذا يدل على أن الورود ستنهمر عليه قريباً. كيف يمكن للمرء أن يلوم الآخرين لأنهم لا يحترمونه إذا لم يكن يعتبر نفسه جديراً بالاحترام؟"

 

القاعدة العشرون:

 

"لا تهتم إلى أين سيقودك الطريق، بل ركز على الخطوة الأولى. فهي أصعب خطوة، ويجب أن تتحمل مسؤولياتها. وما أن تتخذ تلك الخطوة، دع كل شيء يجري بشكل طبيعي، وسيأتي ما تبقى من تلقاء نفسه. لا تسير مع التيار، بل كن أنت التيار."

 

 

القاعدة الحادية والعشرون:

 

"لقد خلقنا جميعاً على صورته. ومع ذلك، فإننا جميعاً مخلوقات مختلفة ومميزة. لا يوجد شخصان متشابهان، ولا يخفق قلبان لهما الإيقاع ذاته. ولو أراد الله أن نكون متشابهين، لخلقنا متشابهين. لذلك فإن عدم احترام الاختلافات وفرض أفكارك على الآخرين يعني عدم احترام النظام المقدس الذي أرساه الله."

 

القاعدة الثانية والعشرون:

 

"عندما يدخل عاشق حقيقي لله إلى حانة، فإنها تصبح غرفة صلاته. لكن عندما يدخل شارب الخمر إلى الغرفة نفسها، فإنها تصبح خمارته. ففي كل شيء نفعله، قلوبنا هي المهمة، لا مظاهرنا الخارجية. الصوفيون لا يحكمون على الآخرين من مظهرهم أو من هم. وعندما يُحدِّق صوفي في شخص ما، فإنه يغمض عينيه ويفتح عيناً ثالثة، العين التي ترى العالم الداخلي."

 

القاعدة الثالثة والعشرون:

 

"ما الحياة إلا دين مؤقت، وما هذا العالم إلا تقليد هزيل للحقيقة. الأطفال فقط هم الذين يخلطون بين اللعبة والشيء الحقيقي. ومع ذلك، إما أن يفتتن البشر باللعبة، أو يكسرونها بازدراء ويرمونها جانباً. في هذه الحياة، تحاشَ التطرف بجميع أنواعه لأنه سيحطم اتزانك الداخلي. الصوفي لا يتصرف بتطرف، بل يظل متسامحاً ومعتدلاً على الدوام."

 

القاعدة الرابعة والعشرون:

 

"يتبوأ الإنسان مكانة فريدة بين خلق الله، إذ يقول الله: (ونفخت فيه من روحي). لقد خُلقنا جميعاً، بدون استثناء، لكي نكون خلفاء الله على الأرض. فاسأل نفسك: كم مرة تصرفت كخليفة له، إن فعلت ذلك؟ تذكر أن اكتشاف الروح الإلهية في داخلك هو مسؤوليتك حتى تعيش وفقها."

 

القاعدة الخامسة والعشرون:

 

"إن جهنم تقبع هنا والآن، وكذلك الجنة. توقف عن التفكير بجهنم بخوف، أو الحلم بالجنة، لأنهما موجودتان في هذه اللحظة بالذات. ففي كل مرة نحب، نصعد إلى السماء. وفي كل مرة نكره أو نحسد أو نحارب أحداً، فإننا نسقط مباشرةً في نار جهنم."

 

القاعدة السادسة والعشرون:

 

"لا ضرر ولا ضرار. كن رحيماً. لا تكن نماماً، حتى لو كانت كلماتك بريئة. لأن الكلمات التي تنبعث من أفواهنا لا تتلاشى، بل تظل في الفضاء اللانهائي إلى ما لا نهاية، وستعود إلينا في الوقت المناسب. إن معاناة إنسان واحد تؤذينا جميعاً، وبهجة إنسان واحد تجعلنا جميعاً نبتسم."

 

القاعدة السابعة والعشرون:

 

"يشبه هذا العالم جبلاً مكسواً بالثلج يردد صدى صوتك. كل ما تقوله، سواء كان جيداً أم سيئاً، سيعود إليك على نحو ما. لذلك، إذا كان هناك شخص يتحدث بالسوء عنك، فإن التحدث عنه بالسوء بالطريقة نفسها يزيد الأمر سوءاً. وستجد نفسك حبيس حلقة مفرغة من طاقة حقودة. لذلك، انطق وفكر طوال أربعين يوماً وليلة بأشياء لطيفة عن ذلك الشخص. إن كل شيء سيصبح مختلفاً في النهاية، لأنك ستصبح مختلفاً في داخلك."

 

القاعدة الثامنة والعشرون:

 

"إن الماضي تفسير، والمستقبل وهم. العالم لا يتحرك عبر الزمن وكأنه خط مستقيم يمضي من الماضي إلى المستقبل. الزمن يتحرك من خلالنا، وفي داخلنا في لوالب لا نهاية لها. السرمدية لا تعني الزمن المطلق، بل تعني الخلود."

 

القاعدة التاسعة والعشرون:

 

"لا يعني القدر أن حياتك محددة بقدر محتوم. لذلك، فإن ترك كل شيء للقدر وعدم المشاركة في عزف موسيقى الكون دليل على جهل مطلق. موسيقى الكون تعم كل مكان، وتتألف من أربعين مستوى مختلفاً. قدرك هو المستوى الذي تعزف فيه لحنك. قد لا تغير آلتك الموسيقية، لكن يمكنك تبديل الدرجة التي تجيد فيها العزف."

 

القاعدة الثلاثون:

 

"إن الصوفي الحق هو الذي يتحمل الصبر حتى لو اتهم باطلاً، وتعرض للهجوم من جميع الجهات، ولا يوجه كلمة نابية واحدة إلى أي من منتقديه. الصوفي لا يلقي باللائمة على أحد. فكيف يمكن أن يوجد خصوم أو منافسون أو حتى آخرون في حين لا توجد نفس في المقام الأول؟ كيف يمكن أن يوجد أحد يلومه في الوقت الذي لا يوجد فيه إلا واحد؟"

 

 

قواعد العشق الأربعون (تكملة)

 

القاعدة الحادية والثلاثون:

 

"إذا أردت أن تقوي إيمانك، فيجب أن تكون ليّناً في داخلك. ولكي يشتد إيمانك ويصبح صلباً كالصخرة، يجب أن يكون قلبك خفيفاً كالريشة. فإذا أصبنا بمرض، أو وقعت لنا حادثة، أو تعرضنا لخسارة، أو أصابنا خوف بطريقة أو بأخرى، فإننا جميعاً نواجه الحوادث التي تعلمنا كيف نصبح أقل أنانية، وأكثر حكمة، وأكثر عطفاً وكرماً. مع أن بعضنا يتعلم الدرس ويزداد رقة واعتدالاً، يزداد آخرون قسوة. الوسيلة التي تمكنك من الاقتراب من الحقيقة أكثر تكمن في أن يتسع قلبك لاستيعاب البشرية كلها، وأن يظل فيه متسع لمزيد من الحب."

 

القاعدة الثانية والثلاثون:

 

"يجب ألا يحول شيء بين نفسك وبين الله: لا أئمة، ولا قساوسة، ولا أحبار، ولا أي وصي آخر على الزعامة الأخلاقية أو الدينية، ولا السادة الروحيون، ولا حتى إيمانك. آمن بقيمك ومبادئك، لكن لا تفرضها على الآخرين. وإذا كنت تحطم قلوب الآخرين، فمهما كانت العقيدة التي تعتنقها، فهي ليست عقيدة جيدة. ابتعد عن عبادة الأصنام بجميع أنواعها، لأنها تشوه رؤيتك. ليكن الله، والله وحده، دليلك. تعلم الحقيقة، لكن احرص على ألا تصنع من الحقائق التي تتكون لديك أوثاناً."

 

القاعدة الثالثة والثلاثون:

 

"على الرغم من أن المرء في هذا العالم يجاهد ليحقق شيئاً ويصبح شخصاً مهماً، فإنه سيخلف كل شيء بعد موته. إنك تهدف إلى بلوغ المرحلة العليا من العدم. عِش هذه الدنيا خفيفاً وفارغاً مثل الرقم صفر. إننا لا نختلف عن أصيص الزرع؛ فليست الزينة في الخارج، بل الفراغ في داخلنا هو الذي يجعلنا نقف منتصبي القامة. الوعي بالعدم، وليس ما نتطلع إلى تحقيقه، هو الذي يبقينا نواصل الحياة."

 

القاعدة الرابعة والثلاثون:

 

"لا يعني الاستسلام أن يكون المرء ضعيفاً أو سلبياً، ولا يؤدي إلى الإيمان بالقضاء والقدر أو الاستسلام. بل على العكس تماماً، تكمن القوة الحقيقية في الاستسلام – القوة المنبعثة من الداخل. فالذين يستسلمون للجوهر الإلهي في الحياة، يعيشون بطمأنينة وسلام، حتى عندما يتعرض العالم برمته إلى اضطراب تلو الآخر."

 

القاعدة الخامسة والثلاثون:

 

"في هذا العالم، ليست الأشياء المتشابهة أو المنتظمة، بل المتناقضات الصارخة، هي ما يجعلنا نتقدم خطوة إلى الأمام. ففي داخل كل منا توجد جميع المتناقضات في الكون. لذلك، يجب على المؤمن أن يلتقي بالكافر القابع في داخله، وعلى الشخص الكافر أن يتعرف على المؤمن الصامت في داخله. وإلى أن نصل إلى اليوم الذي يبلغ فيه المرء مرحلة الكمال، مرحلة الإنسان المثالي، فإن الإيمان ليس إلا عملية تدريجية، ويستلزم وجود نظيره: الكفر."

 

القاعدة السادسة والثلاثون:

 

"لقد خُلق هذا العالم على مبدأ التبادل؛ فكل امرئ يكافأ على كل ذرة خير يفعلها، ويعاقب على كل ذرة شر يفعلها. لا تخف من المؤامرات، أو المكر، أو المكائد التي يحيكها الآخرون. تذكر أنه إذا نصب لك أحدهم شركاً، فإن الله يكون قد فعل ذلك. فهو المخطط الأكبر، إذ لا تتحرك ورقة شجرة من دون علمه. آمن بذلك ببساطة وبصورة تامة. فكل ما يفعله الله يفعله بشكل جميل."

 

القاعدة السابعة والثلاثون:

 

"إن الله ميقاتي دقيق. إنه دقيق إلى حد أن ترتيبه وتنظيمه يجعلان كل شيء على وجه الأرض يتم في حينه؛ لا قبل دقيقة، ولا بعد دقيقة. الساعة تمشي بدقة شديدة بالنسبة للجميع بلا استثناء، ولكل شخص وقت للحب ووقت للموت."

 

القاعدة الثامنة والثلاثون:

 

"ليس من المتأخر مطلقاً أن تسأل نفسك: هل أنا مستعد لتغيير الحياة التي أحياها؟ هل أنا مستعد لتغيير نفسي من الداخل؟ حتى لو كان قد بقي من حياتك يوم واحد يشبه اليوم الذي سبقه، في كل لحظة، ومع كل نفس جديد، على المرء أن يتجدد ويتجدد ثانية. ولا توجد إلا وسيلة واحدة حتى يولد المرء في حياة جديدة، وهي أن يموت قبل الموت."

 

القاعدة التاسعة والثلاثون:

 

"مع أن الأجزاء تتغير، فإن الكل يظل ذاته. لأنه عندما يغادر هذا العالم لص، يولد لص جديد. وعندما يموت شخص شريف، يحل مكانه شخص شريف آخر. وبهذه الطريقة، لا يبقى شيء من دون تغيير، بل لا يتغير شيء أبداً أيضاً. لأنه مقابل كل صوفي يموت، يولد صوفي آخر في مكان ما في هذا العالم. إن ديننا هو دين العشق، وجميع البشر مرتبطون بسلسلة من القلوب. فإذا انفصلت حلقة منها، حلت محلها حلقة أخرى في مكان آخر. إن الأسماء تتغير، تأتي وتذهب، لكن الجوهر يبقى ذاته."

 

القاعدة الأربعون:

 

"لا قيمة للحياة من دون عشق. لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده: روحي أم مادي، إلهي أم دنيوي، غربي أم شرقي. فالانقسامات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسامات. ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعريفات. إنه كما هو، نقي وبسيط. (العشق ماء الحياة، والعاشق روح من النار). ويصبح الكون مختلفاً عندما تعشق النار الماء."

expanded image