ورقة عمل في ندوة الهاشمية السياسية الهاشمية السياسية وخطرها على الأمة اليمنية

Published:
المشاهدات:
3217
الهاشمية السياسية وخطرها على الأمة اليمنية

الهاشمية السياسية وخطرها على الأمة اليمنية

  • د. فيصل علي

تشكل "الهاشمية السياسية" ظاهرة معقدة ذات أبعاد تاريخية واجتماعية وسياسية، تنطلق من ادعاءات دينية وعرقية تُعزز نظامًا طبقيًا يهدد بناء الدولة المدنية الحديثة في اليمن. تُظهر هذه الظاهرة تداخلًا واضحًا بين السلطة السياسية والعقيدة الدينية، حيث تُستغل كوسيلة لتبرير السيطرة على الحكم وتعزيز الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية لفئة محددة، مما ينعكس سلبًا على النسيج الاجتماعي والاستقرار السياسي.

تهدف هذه الورقة العلمية إلى دراسة أصول "الهاشمية السياسية" وتطورها التاريخي في السياق اليمني، مع تحليل تأثيراتها العميقة على المجتمع اليمني وهويته الوطنية. تتناول الدراسة كيفية توظيف الطائفية والنسب كأدوات لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية، كما تناقش تاريخ هذا التيار وأثره الممتد على الهوية اليمنية ومحاولات بناء الدولة الحديثة.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى الورقة إلى تسليط الضوء على خطورة هذه الظاهرة من خلال استعراض الخصائص الرئيسية لهذا التيار، واقتراح آليات علمية وعملية للتصدي لها، بما يساهم في تعزيز الهوية الوطنية الجامعة وبناء دولة يمنية حديثة تقوم على أسس العدالة والمساواة والمواطنة المتساوية.

 

  • تعريف الهاشمية السياسية 

 

الهاشمية السياسية هي فرقة مذهبية عقائدية دينية وعصبوية سلالية قبلية. استخدمت نسبها – المزعوم – المتصل بفاطمة بنت النبي محمد ﷺ للوصول إلى الحكم. ظهرت في اليمن سنة 282 هـ، وتحديدًا في صعدة، حين قدم يحيى بن الحسين الرسي إلى اليمن باحثًا عن مأوى إبان حكم الدولة العباسية. حكم دعاة الهاشمية السياسية بعض أجزاء اليمن منذ حكم الرسي لصعدة من سنة 284هـ إلى 298هـ. امتد حكمهم في بعض الفترات إلى مناطق شمال اليمن، لكنها كان ينكمش ويعود إلى صعدة بسبب مقاومة اليمنيين له، وبسبب وجود دول حكمت اليمن تحت حكم الخلافة العباسية مثل الدولة الزيادية بالتزامن مع الدولة اليعفرية، والدولة الصليحية بالتزامن مع دولة بني نجاح، والدولة الأيوبية، والدولة الرسولية والدولة الطاهرية والدولة المملوكية، كما دخلت اليمن تحت سلطة العثمانيين.

 

بالإضافة إلى ذلك، أسهم الصراع الداخلي في المذهب الهادوي، الذي يجيز "خروج المفضول على الفاضل"، في تأجيج النزاعات. هذه المقولة، المنسوبة إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، تفيد بأن "الإمامة تنعقد للمفضول مع وجود الفاضل إذا اقتضت المصلحة ذلك"، وكان رأيه في "الإمامة" -أي خلافة المسلمين- يسمح بشرعية خروجها عن أئمة أهل البيت، لأنه كان يرى صحة شرعية الإمام المفضول رغم وجود الإمام الفاضل من "أهل البيت" ورغم أن هذا القول يُقال إنه ورد لتبرير خلافة أبي بكر الصديق- المفضول- في ظل وجود علي بن أبي طالب-الفاضل- رضى الله عنهما، إلا أنه في اليمن اكتسب بُعدًا مختلفًا، حيث تلاشت معايير التفاضل، وأصبح المفضول والفاضل في دائرة الصراع وهما من المنتسبين للبطنين ومن المدعين للإمامة الزيدية الهاشمية. وقد دفعت القبائل اليمنية ثمن هذه النزاعات عبر تاريخ دموي طويل. وبذلك، استمر تأثير "الهاشمية السياسية" في بعض مناطق شمال اليمن، دون أن يشمل اليمن بأكمله.

 

انتهت آخر دولة لأدعياء الهاشمية السياسية في اليمن مع ثورة 26 سبتمبر 1962، بعد أن سلَّم العثمانيون السلطة لهم في شمال اليمن عام 1918. أما آخر محاولة معاصرة لإحياء الهاشمية السياسية، فقد تمثلت في ظهور الحركة الحوثية عام 2000، التي انقلبت على الدولة والشعب اليمني في 21 سبتمبر 2014. وسبقت انقلابها المشؤوم سلسلة من الحروب الست التي خاضتها ضد الجمهورية اليمنية بين عامي 2004 و2010. والهاشمية السياسية اليوم هي مصطلح حديث يُستخدم للإشارة إلى الهاشميين الذين يعتقدون بأحقيتهم، دون غيرهم، في الوصول إلى السلطة، استنادًا إلى نسبهم أو ما يُعرف بنظرية حصر الإمامة في البطنين. وتُعد هذه النظرية أساسًا للنظام السياسي للإمامة الهادوية (الزيدية) في اليمن.

 

يشير مصطلح "الهاشمية السياسية" إلى نزعة تجمع بين العرقية والطائفية، حيث تمثل مزيجًا من الانتماء القبلي الهاشمي والانتماء المذهبي الهادوي (الزيدي). يعتمد هذا التوجه على نصوص خارجة عن السياق القرآني، وهي نصوص ضعيفة تتناقض مع القيم والمبادئ الأخلاقية التي جاء بها القرآن الكريم على لسان النبي محمد ﷺ وبقية الأنبياء عليهم السلام.

يُستخدم المصطلح لتوصيف محاولات التسويق السياسي للظاهرة الهاشمية في اليمن، حيث يتم تصويرها كأقلية تستحق الدعم الدولي مع الادعاء بأنها الممثل الشرعي للزيدية مذهبيًا وجغرافيًا. ويعبر المصطلح عن مجموعة من المعتقدات الدينية والسياسية التي تقصر الإمامة والولاية والحكم على الهاشميين، وتحديدًا على سلالة الحسن والحسين، المعروفة بالبطنين.

على الرغم من أن مصطلح "الهاشمية السياسية" قد لا يكون التعبير الأكثر دقة لوصف هذا التطرف، إلا أنه يمثل إطارًا إجرائيًا لفهم ظاهرة إرهابية تعتمد العنف لتحقيق أهدافها السياسية. كما يتم تسويقها في اليمن كظاهرة لها امتداد مذهبي وجغرافي يشمل المذهب الشافعي وبعض متصوفة اليمن، مما يعزز من محاولاتها لاستجداء الدعم الدولي.

يتلخص مفهوم المصطلح في أنه يشير إلى نزعة دينية وسياسية تحصر الإمامة والولاية والخلافة في فئة محددة من الهاشميين، وبالأخص في البطنين من نسل الحسن والحسين رضي الله عنهما. يتم تصوير هذه الظاهرة على أنها تستحق الدعم الدولي، مع الادعاء بتمثيلها الزيدية مذهبيًا وجغرافيًا، ما يبرز محاولات ممنهجة لتسويق هذا التوجه دوليًا لتحقيق أهداف سياسية وطائفية.

 

  

  • خصائص الهاشمية السياسية:

 

تميز الهاشمية السياسية نفسها عنصريًا عن بقية مكونات المجتمع اليمني، ومن خلال دراسة سلوكها يتضح أنها تنفرد بأربع خصائص رئيسية، منها:

  1. التمييز السياسي: تعتقد الهاشمية السياسية أن للهاشميين وحدهم الحق في الحكم، الولاية، الإمامة، والخلافة. ورغم أن النصوص المتعلقة بالخلافة تشمل قريش عمومًا، فإنها اليوم تُفسر على أنها تخص الهاشميين فقط، بحجة أن عهد قريش قد انتهى. أما نصوص الإمامة والولاية، فتُقصر على ذرية الحسن والحسين، المعروفين بـ"البطنين".
  2. التمييز الاقتصادي: يدّعي أتباع الهاشمية السياسية أن الزكاة لا تجوز على بني هاشم لأنها تُعتبر "أوساخ الناس". بناءً على هذا الادعاء، تم تعويض بني هاشم بالخُمس (20% من ثروات الدولة، مثل النفط والغاز والمعادن)، حيث يُخصص هذا الخُمس حصريًا لبني هاشم (البطنين) استنادًا إلى مزاعم نسبهم إلى فاطمة بنت النبي ﷺ.
  3. التمييز الاجتماعي: يزعمون أنهم من نسل النبي ﷺ من ابنته فاطمة، مما يمنحهم - حسب ادعائهم - مكانة اجتماعية أرفع من بقية الناس، في ممارسة عنصرية عرقية مرفوضة إنسانيًا ودينيًا. جاءت الأديان والفلسفات والقيم الإنسانية لتذويب العنصرية وإلغاء الفوارق الطبقية، وهو ما عبّر عنه الهدف الأول للثورة اليمنية: "إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات". علاوة على ذلك، فإن الجمهورية اليمنية طرف في "الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري".
  4. . تمييز ديني: يزعمون أنهم قرناء القرآن، ولا تفسير له إلا عبر تأويلاتهم المتوارثة عن أجدادهم، وكأن الدين جاء بمقاييس سلالة معينة. هذا التمييز الكهنوتي يجعلهم يحتكرون تفسير الدين وتوزيعه على بقية المسلمين.

 

  • التشكيك في النسب:

 

تستند الهاشمية السياسية إلى ادعاءات بالنسب الهاشمي، إلا أن الشكوك حول صحة هذا النسب منتشرة بين الباحثين. ومن خلال الملاحظة البحثية، تظهر الملاسنات الاجتماعية بينهم أن بعض البيوت الهاشمية قد شككت في نسبها داخليًا، مما يكشف عن انقسامات عميقة واختلافات في المصالح. وقد أثّر هذا التشكيك بشكل كبير على مصداقية هذا التيار، إذ تحول من إطار ديني إلى أداة تُستخدم من قبل بعض الجهات لتحقيق غايات سياسية بحتة.

 

لذا أسهمت الهاشمية السياسية في تكريس نظام طبقي عرقي داخل المجتمع اليمني. تم تفضيل عائلات معينة بناءً على نسبها المزعوم، مما أدى إلى تفاقم الفجوة الاجتماعية وإضعاف الهوية الوطنية. هذا الأمر ساهم في خلق بيئة من التفرقة والاستقطاب، حيث أُقصيت طبقات كبيرة من الشعب اليمني من المشاركة الفاعلة في بناء الدولة، الأمر الذي أثر سلبًا على التنمية والاستقرار.

 

وقد تُطرح هنا إشكالية: هل إضافة مفردة "السياسية" إلى مصطلح الهاشمية أمر صائب؟ والإجابة أن استخدام مفردة "السياسية" بحد ذاته لا إشكال فيه، ولكن تمييز الهاشمية بـ"السياسية" لتفريقها عن الهاشمية القبلية هو ما يبرر هذه الإضافة. ومع ذلك، فإن هذه الإضافة لا تعني أن أتباع هذا التوجه يمارسون السياسة المتعارف عليها في شكلها المقبول والمطلوب، بل يمزجون بين أسوأ ما في السياسة، من خلال التوجه نحو حكم ثيوقراطي يدعي القداسة، وبين الدين ونصوصه، لتمرير أجنداتهم على الناس.

 

أما "انتفاشة الحوثي"، التي تمثل خلاصة واضحة للهاشمية السياسية، فهي مجرد حالة عابرة لن يذكرها التاريخ بأكثر من سطر. مشكلتنا الحقيقية ليست مع الحوثي كبيت من بيوت الهاشمية السياسية فقط، بل مع جذور هذه المشكلة الممتدة منذ 1200 عام.

هناك من دعاة الهاشمية السياسية من يسعى لحصر المشكلة في الحوثي وحده، معتبرين أي حديث عن الهاشمية السياسية، أو السلالية، أو الإمامة، أو الفكر الهادوي عنصرية موجهة ضد بني هاشم. هؤلاء يسعون للإبقاء على جذور المشكلة، كما حدث بعد ثورة 26 سبتمبر، وتحديدًا بعد المصالحة الوطنية عام 1970، حيث تم حصر المشكلة في بيت حميد الدين وحده، بينما استمر تقديس الفكر العنصري للهادي وتراثه.

وبذلك، ما إن انتهى بيت حميد الدين حتى ظهر بيت بدر الدين، وإذا استمرت هذه السياسة، فسنتخلص من بيت بدر الدين ليظهر لنا بيت شرف الدين، وهكذا ستستمر الحكاية بلا نهاية.

 

  • التعريف الإجرائي للهاشمية السياسية في اليمن:

الهاشمية السياسية هي ظاهرة سياسية اجتماعية ذات طابع مذهبي وعرقي، تقوم على ادعاء أحقية فئة معينة من السلالة الهاشمية في الحكم والولاية والإمامة، مستندةً إلى مزاعم دينية ونسبية ترتبط بذرية الحسن والحسين (البطنين). تُستغل هذه الظاهرة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية من خلال توظيف الطائفية والنسب كأدوات للهيمنة. تعتمد الهاشمية السياسية على خطاب يميز الهاشميين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً، مما يكرّس نظاماً طبقياً وعنصرياً داخل المجتمع اليمني، ويعوق بناء الدولة المدنية الحديثة.

التعريف الإجرائي للأمة اليمنية:

الأمة اليمنية هي كيان حضاري تاريخي متجذر يمتد وجوده على أرضه منذ ما قبل التدوين التاريخي وإلى ما بعد الطوفان، ويتسم بانفتاحه على العالم وتنوعه الثقافي والبشري. تتشكل هذه الأمة من شعب متواصل عبر الحقب التاريخية، يحمل هوية جامعة تجمع بين البعد الوطني والقومي، وهوية ثقافية عريقة تدعم العلاقات الإنسانية مع مختلف الشعوب. ويأتي إحياء الهوية اليمنية الحضارية والثقافية الجامعة يُعد مسؤولية وطنية وأجيالية مستمرة، إذ تشكل هذه الهوية الأساس لبناء الدولة اليمنية الحديثة. هذه الدولة تتجاوز مفاهيم العرق والقبيلة والشعارات السياسية، لتجسد امتداداً لحضارة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ. بناءً على ذلك، فإن الهوية السياسية الحاضرة للأمة اليمنية تتمثل في "الجمهورية اليمنية"، التي تمثل إطاراً سياسياً جامعاً يجسد الهوية الوطنية ويوحد جميع أبناء اليمن تحت مظلة العدالة والمساواة، بما يحقق تطلعات الشعب اليمني لبناء دولة حديثة ومزدهرة متصلة بجذورها التاريخية العريقة.

ماذا نريد مستقبلاً؟ وكيف نوقف هذا البلاء ونمنعه من العودة من جديد؟

إن الهاشمية السياسية، كما يخبرنا التاريخ، قادرة على تجديد ذاتها باستمرار. فهي لا تختفي تماماً، بل تعاود الظهور بمرونة وقدرة على التكيّف، متخفية تحت شعارات متعددة، سواءً كانت قبلية أو دينية أو حداثية. تارةً تأتي عبر بوابة التصوف، وتارةً أخرى على هيئة مدرسة إحيائية تحت شعار الزيدية، أو تتسلل من خلال المذهب الشافعي. هذه المرونة والقدرة على التخفي تجعل من الضروري مواجهتها بشكل جذري، والعمل على منع تكاثرها وانتشارها. يجب التصدي لها ومكافحتها كما تُكافَح الأوبئة، فهي أخطرها على الإطلاق، بما تمثله من تهديد مباشر على المجتمع والدولة ومستقبل الأمة.

ونستشهد هنا بما قاله أحمد محمد الشامي، شاعر الهاشمية السياسية في القرن الماضي:

قل لفهدٍ والقصور العوانس
إننا سادة أباة أشاوس

سنعيد الحكم للإمامة إما
بثوب النبي أو بأثواب ماركس

وإذا خابت الحجاز ونجدٌ
فلنا إخوة كرامٌ بفارس

تعكس هذه الأبيات رؤية الهاشمية السياسية في تلك الحقبة، حيث يظهر الطموح السياسي لتحقيق الحكم الإمامي بأي وسيلة متاحة، سواء عبر استغلال الدين ("ثوب النبي") أو تبني أيديولوجيات متناقضة مثل الماركسية ("أثواب ماركس"). كما تشير الأبيات إلى الانفتاح على التحالفات الإقليمية، مع الإشارة إلى إمكانية الاعتماد على دعم خارجي إذا فشلت المحاولات المحلية، مثل ذكر إيران ("إخوة كرام بفارس"). تلخص هذه الأبيات أحد أوجه الخطاب السياسي للهاشمية السياسية، حيث يظهر المزج بين الدين والسياسة والبرجماتية المفرطة لتحقيق أهدافها، بغض النظر عن الثبات الفكري أو الالتزام بأيديولوجية محددة.

 

  • رباعية الإصلاح العام في اليمن:

ما الذي لدينا وما الذي ينقصنا في هذه المرحلة؟

لابد من وجود مشروع جامع للأمة اليمنية يعمل على استنهاضها من كبوتها. في هذه المرحلة، لدينا شرعية معترف بها تضم جميع المكونات السياسية، وحكومة تعمل على إدارة شؤون البلاد، ورغم وجود بعض القصور، إلا أن هناك جهوداً مبذولة لا يمكن إنكارها. ما نطمح إليه هو مشروع دولة مكتمل، يُمكّن اليمن من استعادة دولته ذات السيادة الكاملة، ودولة تحقق رفاهية الشعب واستقراره. لذا، اليمن بحاجة - عند التفكير في إقامة الدولة اليمنية المنشودة بعد استعادة مؤسساتها المنهوبة من قبل الميليشيات الانقلابية - إلى التفكير جديًا في رباعية الإصلاح العام، وهي:

 

1.      الإصلاح الاجتماعي

ويشمل:

  • إزالة الفوارق بين الطبقات بقوة القانون.
  • إلزامية التعليم وإنهاء الأمية بشقيها البدائي والمعرفي.
  • التخلص من مخلفات الهاشمية السياسية اجتماعيًا بحيث تبقى كجزء من طبقات الشعب، وإذا قيل "لا هاشمية طبقية"، فيجب أن ترحل معها طبقات المشيخة، والقضاة، والفقهاء، والرعية، والمزاينة، والحداديين، والأخدام. فبقاء طبقة مسحوقة أو مهمشة يعني بقاء بذرة الطبقية.
  • تسخير الأدب والثقافة والسينما والإعلام لنسف الطبقية الاجتماعية واستهجانها، للوصول إلى المساواة بين الناس كقيمة إنسانية عظمى.

2.      . الإصلاح الديني

عملت ثورة 26 سبتمبر على إذابة المذهبية والطائفية، إلا أن هذه النزعات عادت لتتسلل مجددًا من الأبواب الخلفية. فقد وجدت الهاشمية السياسية طريقها عبر مناهج الصوفية، والشافعية، والوهابية، والإخوانية، التي استساغت مفهوم "آل البيت" وتسامحت معه، دون الفصل بين النبي محمد ﷺ كرسول وبين قريش كقبيلة. هذا التداخل الفكري مهد الطريق أمام ظهور الهاشمية السياسية مجددًا، معتمدة على المذهب الزيدي تحت مسميات مختلفة مثل "الشباب المؤمن"، "الحوثي"، و"أنصار الله". كما استفادت من المذهب الشافعي الذي يرى أن الخلافة محصورة في قريش، بالتوازي مع رؤية الهادوية المتلبسة بالزيدية التي تحصر الإمامة في البطنين. لذا، فإن استمرار هذه المفاهيم الخاطئة والخرافات يشكل تهديدًا حقيقيًا للبلاد. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى عملية إصلاح ديني جذري، يتولاها الفقهاء والحكماء من أبناء الأمة اليمنية. يجب أن يُبنى هذا الإصلاح على الفقه اليماني الأصيل المستمد من المدرسة اليمنية الفقهية، وهي مدرسة الاحياء والإصلاح اليمنية، التي رفضت حصر الإمامة في قريش أو البطنين. وأبرز أعلامها:

  • محمد بن إبراهيم الوزير (755-840هـ)
  • الحسن الجلال (1014-1084هـ)
  • صالح بن مهدي المقبلي (1038-1108هـ)
  • محمد بن إسماعيل الأمير (1099-1182هـ)
  • محمد بن علي الشوكاني (1173-11250هـ)

ونستطيع القول إن هؤلاء الفقهاء بمجموعهم وبما تركوه من تراث فقهي وتأثير تجاوز بعض اليمن والجزيرة العربية ووصل إلى أصقاع الأرض أسسوا مدرسة إصلاحية وطنية قاومت الكهنوت الإمامي وأرست منهجًا قائمًا على اتباع الحق والدليل الصحيح.

يهدف هذا الإصلاح الديني إلى تطهير اليمن من الطائفية والرجعية، وصياغة مذهب يمني أصيل يعبر عن روح وهوية ووحدة الأمة اليمنية. ويُقترح أن تكون مدرسة الإمام القاضي الشوكاني بديلاً للمذاهب الأخرى (الزيدية، الشافعية، السنية، والشيعية). كما ينبغي على الدولة، من خلال مؤسساتها الدينية، تبني مذهب الإمام الشوكاني كمذهب رسمي للدولة، لقطع الطريق على الهاشمية السياسية ومنع تسللها إلى المناهج التعليمية، المساجد، وحلقات تعليم الأجيال القادمة.

 

3.      الإصلاح الاقتصادي

إن الثروة الحقيقية هي الإنسان. لذا، فإن تهيئة الإنسان ليكون قادرًا على الإنتاج ثم الإبداع هو الطريق الأمثل للنهوض الاقتصادي للأمة اليمنية. الإنسان هو من يبتكر أدوات الإنتاج المعرفية، وهو من يستطيع تحويل الطبيعة الجغرافية المتنوعة إلى مصدر ثروة حقيقية للأمة.

ما على ظاهر الأرض يكفي لرفاهية الإنسان. فمثلًا:

  • الصحاري الممتدة في المناطق الشرقية من حضرموت وشبوة ومأرب والجوف قابلة لإقامة حقول واسعة لألواح الطاقة الشمسية.
  • المرتفعات والسواحل قابلة لإنتاج الطاقة عبر الرياح.

بهذه المشاريع، سيعم النور كل اليمن الكبير، وهذه أيضًا ثروة يمكن تصديرها. ناهيك عن الثروات الباطنية الكامنة في الأرض.

الإنسان هو الثروة، وهو من سيستغل كل الطاقات والإمكانات للقضاء على الفقر. والفقر، كما نعلم، هو أهم مداخل الهاشمية السياسية للتأثير على الناس، لتغيير مذاهبهم وشراء ولائهم. إذا تم القضاء على الفقر والتخلف والجهل، فلن تجد الهاشمية السياسية من تصدقها بخرافاتها وشعوذتها. فالإصلاح الاقتصادي هو الأساس للاستقلال، وبناء دولة مكتملة السيادة، وتحقيق رفاهية الشعب.

 

4.      الإصلاح السياسي

الدولة هي المسؤولة عن جميع المؤسسات، سواءً كانت دينية أو عسكرية أو مدنية. وهي من تشرف على هذه المؤسسات وتفصل بينها. بناء مؤسسات الدولة وفقًا للهوية وأهداف وطموح الأمة اليمنية هو الضامن لتحصين هذه المؤسسات من فئران الخراب (الهاشمية السياسية). كما أن بناء المؤسسات الحزبية المختلفة لا ينبغي أن يكون بعيدًا عن هوية الأمة اليمنية. فجميع الأحزاب "المستوردة" منذ أربعينيات القرن الماضي أضافت إلى المعضلة اليمنية معضلات مستوردة. لا نشك في وطنية أحد، ولكن لو أجرينا مراجعة سريعة لمناهج التثقيف الحزبي ودورات التأطير الحزبي، لوجدنا غيابًا واضحًا للهوية اليمنية. فالشعب اليمني لا يهمه أن تكون هذه الأحزاب السياسية ذات توجه يمني او يساري إلخ، ما يهمه هو أن يكون الجميع "يمنيون". فالأيديولوجيات لا تلزمه، ما يلزمه هو الانتماء للوطن. برامج الأحزاب يجب أن تكون وفقًا لمشروع الدولة والهوية اليمنية، ووصول أي حزب إلى السلطة لممارسة الوظيفة المناطة به لا يعني منحه الحق في التفرد أو الخلود في الحكم، ولا الاستبداد، ولا إلغاء الآخرين.

لذا يجب أن تكون برامج الأحزاب منبثقة عن مشروع الأمة اليمنية، وأن تعمل لخدمة الناس، لا أن تستخدمهم لتحقيق مصالح حزبية. كما ينبغي منع وجود أحزاب ذات طابع طائفي أو مذهبي أو سلالي أو عنصري أو عرقي أو جهوي. هذا المنع سيسهم في رفع مستوى الوعي الحزبي لدى الأحزاب السياسية وجماهيرها، بما يدعم أهمية الحفاظ على البلد والدولة، والعمل لتحقيق مشروع الأمة اليمنية الذي يهدف إلى بناء دولة حرة ومستقلة وذات سيادة تخدم جميع اليمنيين.

 

بماذا سنواجه الهاشمية السياسية في الألف السنة القادمة؟

لابد من تشبّع كل فئات الشعب بالهوية اليمنية الجامعة، ولتكن هذه الهوية هي الشغل الشاغل للمائة عام القادمة. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ كان جوزيف ستالين يعتقد أن الأدب هو أهم سلاح للدعاية، وكان يرى أن الكُتّاب "هم مهندسو الروح البشرية". يقول ستالين: "إن ما تنتجه الأرواح أهم مما تنتجه الدبابات". وأثناء الحرب الباردة بين الروس والأمريكيين، لم يُستخدم الأدب للتعبير عن الأيديولوجيا فقط، بل لنشرها في إطار الصراع الأيديولوجي بين الرأسمالية والشيوعية. بهذا، تحولت الأعمال الروائية إلى دراما وأفلام سينمائية تنشر الثقافة بنفس أيديولوجي، وبدأ التنافس على عقول البشر لنشر هذا الفكر أو ذاك. وينسب لألبير كامو: "لكي تصنع ثقافة، لا يكفي أن تضرب بالمسطرة على الأصابع". أما الشهيد القاضي الزبيري، فقد عبّر عن قوة الأدب في مواجهة الفساد والظلم بقوله:
"
كنت أحس إحساساً أسطورياً بأنني قادر بالأدب وحده على أن أقوض ألف عام من الفساد والظلم والطغيان".
كما قال في أحد أبياته:
"
قوضتُ بالقلمِ الجبّار مملكةً
كانتْ بأذيالها ممدودة الطنبِ"

إن مواجهة الهاشمية السياسية لا تتطلب فقط أدوات مادية والقوة الصلبة المتمثلة بالسياسة والاقتصاد والجيش، بل تحتاج إلى القوة الناعمة المتمثلة بمشروع فكري فلسفي يعيد تعريف الإنسان اليمني ضمن سياق حضارته وهويته. فالهوية ليست مجرد شعار يُرفع أو نص يُدَرّس، بل هي تجربة حية تتجسد في قيم وسلوكيات وتصورات الشعب عن نفسه وعن العالم.

وذلك مع الأخذ بالاعتبار أن الهوية اليمنية ليست حالة ثابتة نكتفي باسترجاعها من الماضي، بل هي حركة ديناميكية مستمرة تتفاعل مع الزمن. من هذا المنطلق، يجب أن نرى الهوية كعملية بناء يومي تُغذّى بالمعرفة، وتُحفّز بالفن، وتُصقل بالتجارب الإنسانية المشتركة. إذا أدركنا أن الهوية هي فعل يومي، فسنكون قادرين على جعلها أداة فاعلة لمواجهة كل محاولات الطمس والتشويه.

والتركيز على أن الأدب اليمني ليس مجرد كلمات تُقرأ أو تُسمع، بل هو وسيلة لتوليد الوعي. الأدب يمكن أن يكون الجسر الذي يربط بين ماضي اليمن ومستقبله، فهو يحمل تجارب الأجداد ورؤى الأحفاد. إن التركيز على الأدب يجب ألا يكون فقط في نقل القيم، بل في إثارة الأسئلة الفلسفية الكبرى: من نحن؟ لماذا نحن هنا؟ وما الذي نريد أن نكونه؟ هذه الأسئلة تجعل الهوية اليمنية شيئًا يفكر فيه كل مواطن بوعي.

كما أن الفن ليس وسيلة ترفيهية فحسب، بل هو عملية تحرر ذاتي. عندما ينتج اليمني فنًا يحمل هويته، فإنه يتحرر من هيمنة الآخر الذي يحاول فرض تصوراته عليه. الدراما، السينما، والمسرح ليست مجرد أدوات لنقل الرواية اليمنية، بل هي مساحات لصنع الذاكرة الجمعية التي لا يستطيع أحد أن يمحوها.

مع العلم أن التاريخ ليس مجرد ماضٍ، بل هو مرآة للمستقبل. دراسة التاريخ الأسود للهاشمية السياسية يجب أن يكون هدفها ليس فقط التحذير مما قد يحدث، بل إلهام الأجيال القادمة بضرورة الإبداع والتجديد. التاريخ يُعلّمنا أن كل حركة تحاول تزييف الهوية تُولد في النهاية مقاومة تعيد الأمور إلى نصابها.

وكل ذلك باعتبار أن الإنسان اليمني هو الثروة الحقيقية، وهو مفتاح كل تغيير. لذا، يجب أن تكون المشاريع المستقبلية موجهة نحو خلق إنسان يمني جديد، يؤمن بقيم الحرية والعدالة والمساواة. هذا الإنسان لن يكون مجرد متلقٍ للتعليم أو الفن، بل سيكون مشاركًا في صياغة مستقبل اليمن.

 

كيف نترجم هذه الأفكار إلى واقع؟

كي نترجم ما سبق من الأفكار إلى واقع ملموس لابد من العمل على إيجاد وخلق كل من:

  1. مشروع ثقافي جامع: ينطلق من الأدب والفن والفكر لتقديم رؤية متجددة للهوية اليمنية.
  2. برامج تعليمية قائمة على التساؤلات الفلسفية: حيث يتُشجع الطلاب على التفكير في ماهية هويتهم وكيف يمكنهم الإسهام في الحفاظ عليها.
  3. تأسيس مراكز للإبداع الفكري والفني: تكون مختبرات لصياغة الأدب والفكر والفن الذي يعكس الهوية اليمنية.
  4. إعادة كتابة الرواية اليمنية: بحيث تكون مرجعًا للأجيال القادمة، تضع الإنسان اليمني في مركز التاريخ.

إن مواجهة الهاشمية السياسية ليست مجرد معركة ضد تيار سياسي، بل هي معركة لاستعادة المعنى العميق للوجود اليمني، كأمة حية، فاعلة، ومؤثرة في محيطها والعالم. تُعد مواجهة الهاشمية السياسية تحديًا وجوديًا للدولة اليمنية، ويتطلب ذلك إصلاحات جذرية على المستويات الاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية. من خلال تعزيز الهوية الوطنية الجامعة ونشر قيم العدالة والمساواة، يمكن لليمن تجاوز هذه التحديات وبناء دولة مدنية حديثة قادرة على تحقيق تطلعات أبنائها.

 

  • ورقة عمل قدمها د. فيصل علي رئيس مركز يمنيون للدراسات في ندوة "الهاشمية السياسية وخطرها على الأمة اليمنية" التي أقامها مركز "يمنيون للدراسات" في جامعة UPM– ماليزيا، 16 يناير 2018

 

 

  • المصادر:

 

1.          الأدب هو السلاح الأهم للدعاية.. هكذا تعتقد المخابرات الأمريكية. (2014). جريدة الدستور. متاح عبر

2.          الزبيري، م. م. (2004). الأعمال الشعرية الكاملة. صنعاء: دار الكتب.

3.          القاضي، ر. (2015). بين السياسة والأدب. منصة أبجد.

4.          المسعودي، عبد العزيز قائد. (2008). إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر. القاهرة: مكتبة مدبولي.

5.          الرواية بين الأدب والسياسة. (2015). مجلة فكر الثقافية.

6.          حسين، م. ك. (1957). في الأدب السوفييتي. القاهرة: مؤسسة هنداوي.

7.          ص129 - كتاب مذكرة التوحيد - الزيدية - المكتبة الشاملة. متاح عبر

8.          عزت بيجوفيتش، علي. (1997). الإسلام بين الشرق والغرب. دار النشر للجامعات.

  • المصادر الأجنبية

1.      Brandenberger, D. (2012). Propaganda state in crisis: Soviet ideology, indoctrination, and terror under Stalin, 1927-1941. Yale University Press.‏

2.      Liñán, M. V. (2010). History as a propaganda tool in Putin’s Russia. Communist and Post-Communist Studies, 43(2), 167-178.

 3.      Todd, O. (2015). Albert Camus: A life. Random House.

expanded image