إلى الله
فيصل علي

إلهي القدير أود أن أبعث إليك رسالة لا ككل رسائلي السابقة، في البدء لك الحمد، ولن أُحيطك بشيء أبدا في هذه الأحرف، تعلم ما في نفسي ولا أعلم مافي نفسك إنك أنت علام الغيوب، أعني هذه الأثناء على تذكر ما أردت قوله لك خلال هذه الأيام الطيبة، وأنت تعلم إحجامي عن الكتابة إليك خوفا ورهبة منك، ولذا ها أنا أقدم حرفا وأؤخر حرفا.
في هذه الأثناء والعتم يملأ الآفاق ولا نور استضيء به في وحشتي إلا نورك، وفي خلاء من الخلق لا أحس معي فيه إلا أنت، وصوت الريح ولحاء الشجر، هنا في هذا الجزء القصي من العالم وضعتني أنت في إختبارات إجتزت أكثرها بفضلك، تذمرت كثيراً في السابق، لكني أدركت مؤخراً أن هذا تدبيرك، وها أنا مطمئن بك إلى ما لا نهاية.
افتقدتك كثيراً فيما مضى وكنت أطيش كريشة في مهب الريح من حين لحين، بحثت عنك طويلا ولا أكاد اجدك، وفرحت كثيرا في كل مرة وجدتك فيها قريبا، وكلما حاولت تطهير بيتك الذي في صدري تدركني قذارات شتى فيظل قلبي معلقا بالبحث عنك وواقعا في مسائل ثانوية كثيرة لا تحصى، تنقطع أنفاسي مرات وأعود للوقوف متشبثا باللاشيء وتركت بيتك خاويا، وتأت لحظة صمت مخيفة فاسمع بمن يصدح باسمك في ذرات الكون، في تغريد طائر، وفي صوت لحن يبكيني، وفي وجه مغبر ، وفي انات متالم يكويه البعد والوجع، وفي صوت امي القادم من بعيد، وفي حشرجات صوت أبي وهو راض عن هذا التيه.
اكتب إليك وهذه النجوم شاهدة أني بحثت عنك في أصوات القراء فلم أجدك، وفي بعض بيوتك ولم أجدك، وفي بعض حلق الذكر ولم أجدك، كنت أعلم أن الأمر يعود لي وليس للكون من حولي.
في رحلة البحث عنك في كل الفصول الأربعة وفي كل العقود الموشاة بالوحشة والفقد واللهفة كنت تنتظرني على مسافة لا أستطيع قياسها، وكلما أمسكت بقبس من نورك الذي لا يخبو اضعت الطريق ثانية، وخرجت من جبة الإنسان المبجل منذ زمن مقتربا من المعادلات الصفرية وبحساب فلاح لا عليَّ ولا ليَّ، وشعرت ببعض الراحة عدد لا بأس به من المرات، لكن الألم يفوق والضياع يحيط بجوانب الصحراء الأربعة.
يا لجهلي كيف طاوعت نفسي أن أبعث اليك رسالة من ورق الضوء المكتوب، كيف قادني شعوري لهذه المرحلة من الجرأة للمثول بين يديك بعريضة لا أدري ماذا أريد أن أقوله لك فيها، كنت هذه الأيام قد قررت أن أجد روحي ووجدتها، وأن أعيد قوة التركيز كما كانت وفعلت، فقط أردت أن أشكرك دوما على مجمل العمليات الحسابية السريعة التي تجري في رأسي حيال كل قضية شائكة، وكيف كنت أغير رأيي في كل مسألة مرات عدة، وكيف تتجمع الفكرة الأقرب للصواب في كل الثواني التي تدور فيها تلك العمليات المتتالية بين الدماغ والقلب، كنت اتتبع أثر اطمئنان الروح زائدا تحذيرات العقل فأجد نفسي هناك.
إلهي العليم بذرات هذا الكون، لن أضع بين يديك هنا مسائل خاصة أو عامة ما أريده أنت تعلمه، وقد تحدثت إليك عنه بلا إنقطاع، فقط أتحدث إليك عن مسألة ملحة أحتاجها فالهمني يا ربي إلى إعادة صياغة القدر من جديد، ووضع المتناقضات في مواضعها الصحيحة، فاللحظة صفرية ياربي، ولابد من نورك البهي حتى تزيح هذه العتمة عن بصيرتي، وتفك كل قيودي التي اثقلت كاهلي وأن تطلق يدي حتى أستطيع تشكيل القدر كما ترسمه هذه العمليات المتزايدة في عقلي.
اطلت عليك رب فتحملني أكثر فليس لي الاك، مللت من مخطابتك عبر السنة غيري ولذا اخاطبك كما يحلوا لي، وكما تحدثني أشواقي إليك، فأسألك دوام الشوق لك، والحب لك ودوام رؤيتك وملاقاة رحماتك في أرجاء الكون، ربي اجعل لي أية تحطيم الخرافة، واعادة تشكيل الذهن، ووضع زوايا الرؤية الموصلة إلي ما يرضيك يا الله.
أعلم أن حروفي قد تاهت فارشدني لجمعها وإيصالها إليك دائما وأبدا، وأجمع لهذا القلب ما اخبرك به على الدوام، فلم يعد يحتمل ياذا الجلال .