اليمن: أراضي الشعـوب لا تـؤجر ولا تباع

اليمن: أراضي الشعـوب لا تـؤجر ولا تباع
635 زيارة

السفير عبد السلام قاسم العواضي

   إن السباق الاستعماري صوب الجزر والمناطق الاستراتيجية، يعود تاريخه بالتقدير إلى ستة قرون، وقد سبق أن تابعت أزمة (جزر الفوكلاند) المستعمرة البريطانية، الغنية بالذهب الأسود والحيتان، والمتميزة بالموقع الاستراتيجي في جنوب الأطلسي، والمسماة بالإسبانية (جزر مالفيناس)، المستعمرة الإسبانية سابقاً، والقريبة من دولة الأرجنتين التي تعتبرها جزءًا من أملاكها كوريثة للاستعمار الإسباني، ولأسباب داخلية قامت بغزوها دون سابق إنذار في أبريل عام 1982م وخاصة الجزء الشرقي من ارخبيل فوكلاند حيث تقع العاصمة (استانلي).. وبالتالي نشبت الحرب بين بريطانيا والأرجنتين وانتهت بهزيمة الأرجنتين.

وكانت النتيجة أن لجأت بريطانيا إلى الاستفتاء الشعبي وجاءت نتيجته لصالحها بنسبة 99.8 ٪ ، قابله عدم اعتراف من الأرجنتين باعتباره مهزلة، لكنها قبلت به كأمر واقع على مضض.

ومن الملاحظ، أن التصويت ليس لصالح بريطانيا لم يأت من فراغ، وإنما لعوامل اللغة، والثقافة، والتوطين الاستعماري الطويل الأمد. وبناء عليه، وددت أن أضع هذه الجزر كنموذج لمعاناة العالم من الاطماع الخارجية، والتي يقاسي منها الشعب اليمني في الوقت الراهن.

من الجدير بالذكر ، إننا نقف أمام ثالوث رهيب قائماً منذ ستة قرون على أطماع دولية وإقليمية لجزر، ومدن، وممرات ومواقع إستراتيجية، ويتمثل هذا الثالوث بما يلي :
– احتلال
– إستئجار طويل المدى
– إستثمار بدون ضوابط
وهي عوامل رئيسة لفرض الهيمنة.

في واقع الأمر، أقدم المستعمرون :- الأسبان، والبرتغاليون، والبريطانيون ، والفرنسيون، والإيطاليون، وأخيراً الأميركيون على احتلال، أو استئجار، أو استتثمار أراضي الغير بدون قانون، ونظم، وقواعد، خلال الستة القرون الماضية، شملت الست القارات من ضمنها الجزيرتان (القارتان) “انتر كتيكا” في القطب الجنوبي ، و”أستراليا” في المحيط الهندي بحثاً عن المواد الخام، والتحكم في الممرات، والمواقع الاستراتيجية في أعالي البحار.

وفي هذا السياق ،أود أن استعرض باختصار أهم الجزر، والموانئ، والمواقع الاستراتيجية في العالم والتي كانت مثار تسابق المستعمرين، لكي أصل إلى غايتي من كتابة هذا المقال، بداية من( جزر الفوكلاند) في جنوب الأطلسي، مروراً بشبه جزيرة مستعمرة (جبل طارق) البريطانية في الطرف الجنوبي لشبه جزيرة إيْبِيرِيَا (أسبانيا والبرتغال) المطلة على بوابة البحر المتوسط تليها جزر مثل، كورسيكا، وسبتة، ومليلة، ومالطة، وقبرص، وصقلية، ورودوس، وسردينيا في البحر المتوسط، وجزيرتا غرينلاند الدانماركية، وأيسلندا في شمال القارة العجوز، ثم هونغ كونغ ،وتايوان، وماكاو، في بحر الصين،، وأرخبيل الفلبيين، وإندونيسيا، عبوراً بماليزيا،وسنغافورة ،والمالديف، وسيرلنكا، وموريشيوس،وجزر القمر، ومدغشقر، وسيشيل في المحيط الهندي، ( والجزر والموانئ اليمنية :- جزر سقطرى ،وميون، وكمران، وزقر، وموانئ ميدي، والمخاء، وعدن، وبلحاف، والمكلا، ونشطون، وشحن، في البحر الأحمر وبحر العرب) ، وجزر وشبه جزر (الموز) في الكاريبي، فضلاً عن مواقع استراتيجية مثل : (غوانتنامو) جنوب شرق كوبا في الكاريبي(وديغوجارسيا) الموريشيوسية في المحيط الهندي، المستأجران من قبل الولايات المتحدة الأميركية بعقود طويلة المدى تجدد تلقائياً ،،، ثم جزر : غوام ، وبابوا غينييا الجديدة، ونيوزلندا، في المحيط الهادي الخ.

وبقيام حركات التحرر الوطني بعد الحرب العالمية الثانية نالت بعض الجزر استقلالها ، كما بقى البعض منها مستقلة في اطار رابطة دول الكومنولث، وجزء آخر تحت الاحتلال أو الوصاية، أو الحكم الذاتي، وآخرى مقيدة بعقود، واتفاقيات أو تحت غطاء الاستئجار أو الإستثمار غير المحكوم بضوابط قانونية، وفي حال برزت اشكالات، تخضع للاستفتاء حسب التحكيم الدولي، ولن يغير ذلك من واقع الأمر شيئاً بعد أن تم تغيير ديموغرافية تلك الجزر والمواقع وتبعيتها للمحتل، أو الوكيل بالنيابة عنه.

ومع المتغيرات السياسية، وشهوة السيطرة على مقدرات العالم، يحاول المستعمر في العقد الثالث من الألفية الثالثة إحياء السباق الاستراتيجي من جديد بالهيمنة على جزر، ومواقع، وموانئ على طرق التجارة العالمية، والتي أخذت تمارسه كل من الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وفرنسا بشكل أقل، لتأمين عبور ناقلاتها النفطية، والغازية، وتجارتها وأساطيلها، و السعي إلى عرقلة المنافسين التجاريين، والاقتصاديين، وفي مقدمتهم الصين القوة الناهضة والدول الحليفة لها في (منظمة شنغهاي للتعاون وهي منظمة دولية، سياسية، واقتصادية، وأمنية) تأسست في 15 يونيو 2001م،في شنغهاي، وبلغت عضويتها حالياً 9 أعضاء (الصين، روسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكيستان، أوزبكستان، إيران، الهند، وباكستان )، والتي أخذت تتبلور حالياً كقوة عالمية للمنافسة الاقتصادية، والأمنية، وكسر الاحتكارية الأميركية الآحادية القطبية بعد انهيار (حلف وارسو) بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق عام 1990م، والغاية من القطبية الآحادية تقوم على ممارسة الهيمنة العالمية لغرض تنفيذ مشاريع القرن الصهيونية بشتى الطرق.

ومانشهده اليوم من ارهاصات على مستوى الساحة الدولية لدليل ناصع على هذا التنافس الذي يأخذ حاليا طابعاً غير أخلاقياً متمثلاً بالحروب الجرثومية، والتدخلات السافرة بشؤون الدول الخ. ومن هذا المنطلق، يعمد المحور الثنائي الأنجلوسكسوني الأميركي – البريطاني إلى احتكار الجزر، والموانئ والمواقع الإستراتيجية لصالحه، من خلال ممارسة ضغوط على الدول، أو تفويض وكلائها الإقليميين في المناطق كرأس حربة للسيطرة عل جزر ومواقع بطرق غير مشروعه، وذلك بعد تغييرها ديموغرافياً، وأمنياً، وعسكرياً تنتهي نتيجتها باستخدام ما يسمى بالاستفتاء لأهالي الجزر، والموانئ لتقرير مصيرهم، ولايحتاج الأمر في الغالب أكثر من 12 سنة لإستفتاء شعبي يفضي إلى إعلان استقلال صوري لتلك الأراضي أو تبعيتها لصالح المحتل أو الوكيل بالنيابة، بموجب التفويض الاستعماري المشار إليه آنفاً.

للأسف الشديد، يحدث كل ذلك عندما يتغافل مسؤولو الدول ذات العلاقة عن أراضيهم برشاوى، وإغراءات الخ، ويتعمدون قطع صلتهم بالجزر، والمواقع، وكانها خارج نطاق دولهم، رضوخاً للوكيل عليها بالتفويض، مما يعد بمثابة تنازل، أو بيع، أو تأجير لاملاك وأراضي شعوبهم، لمن لا يستحق ولا يملك.

ولمعالجة هذه المشكلة، وقبل فوات الأوان، يجب إيجاد حلول يمنية عاجلة لوضع اليمن العصيب الذي يمر في أسوأ مرحلة تاريخية بعد خراب سد مأرب. وفي السياق نفسه يفترض من المسؤولين اليمنيين الغيورين على وطنهم بإختلاف مشاربهم السياسية والإجتماعية تسجيل موقف موحد أمام العالم، في الدورة السنوية القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة خلال انعقادها في سبتمبر 2022 م في نيويورك ، وذلك بتقديم صورة جلية عن ما يحدث في اليمن، ومناشدة الأمم المتحدة بأن الجمهورية اليمنية في وضع خطير جداً تتعرض فيه لممارسات تنتهك سلامة أراضيها وبما يخالف ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن القاضية بالحفاظ على سلامة وسيادة الدول على أراضيها.

حقاً، إن الهجمة على اليمن مهولة وشرسة. ومن المأمول، وما يفرضه الواجب الوطني عدم تكرار نفس الأخطاء السابقة لمسؤولين تنازلوا عن أراضٍ يمنية شاسعة، مما يعتبر بحكم القانون والشرع تنازلاً باطلاً من أساسه، كما يتعارض أيضاً مع الاتفاقيات، والقوانين الدولية التي لا تجيز أخذ أراضي الغير بالقوة، أو من خلال شراء ذمم أو اختلاق ذرائع ومبررات.

جوهر القول، إن الأوطان لا تشترى، ولا تباع، ولاتؤجر. لذلك، فلا بد من حل عاجل لإنقاذ اليمن، قبل أن يفقد الشعب اليمني جزءًا غاليا آخر من تراب الوطن، فيندمن ، ولات ساعة مندم.

إقرأ أيضاً

اليمن أراضي الشعـوب لا تـؤجر ولا تباع 

شاركها:  

اشترك في نشرتنا ليصلك كل جديد

نعتني ببياناتك ونحترم خصوصيتك. للمزيد اقرأ  سياسة الخصوصية .