روي كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: “خرج رجل من بني كلاب، أو من سائر بني عامر بن صعصعة، إلى ذي جدن، فأطلع على سطح، والملك عليه، فلما رآه الملك اختبره، فقال له: ثِبْ -أي: اجلس- قال: ليعلم الملك إني سامع مطيع، ثم وثب من السطح: فقال الملك: ما شأنه؟ فقالوا له: إن الوثب في كلامهم الطّمر. فقال الملك: ليست عربيتنا كعربيتهم؛ من ظفر حمر” أي: من أراد أن يقيم بظفار فليتكلم فليتعلم اللغة الحميرية أو لغة أهل اليمن، وإلا فإنه لامحالة هالك، طال الزمن أو قصر.
لا جرم، أن الخطأ الكبير الذي وقع فيه التحالف هو أنه لم يحسم الحرب في أشهر وفقاً لتقديراته، وإنما طالت الفترة حتى وصلنا إلى ما نحن عليه من خسائر، ودمار، وانعدام رؤية للحل، بعد أكثر من ثمان سنوات من حرب ضروس، داخلية- داخلية، وخارجية – داخلية تجاوزت سنوات الحرب العالمية الثانية، فكل ما شاهدناه، ولمسناه من نتائج حتى الآن في الجانب العسكري السعودي-الإماراتي سوى تشكيل مليشيات، ونخب، وأحزمة أمنية من ناحية، والجيش الوطني التابع للشرعية- وهو محدود التسليح ويصمه خصومه بالأخونة- فكلما تقدم في جبهات الحرب قصفه الطيران، وكلما بقى في ثكناته لا يسلم أيضاً من القصف. ناهيك عن القصف الخاطئ على المدن والقرى وما سببه من خسائر في الأموال والأرواح.
وبين هذا وذاك ثمة حكومة أمر واقع في العاصمة صنعاء مدعومة من إيران، وحكومة شرعية في العاصمة المؤقتة عدن مدعومة من التحالف العسكري السعودي-الإماراتي إلى جانب سيطرة مليشيات محلية مدعومة إماراتياً، وكذا تواجد فرق عسكرية من التحالف على السواحل والموانئ والمدن الجنوبية من المهرة شرقاً حتى جنوب الحديدة غرباً، مما يعد أحد العوامل الرئيسة لإطالة أمد الحرب. وتبين أن الأمور تسير صوب مخطط لحروب داخليه يمنية – يمنية، توازياً مع مصالح إقليمية، ودولية.
وأصبحت الحرب تأخذ بعداً آخر بعد ان أكتسب (الحوثيون) قدرات عسكرية تشمل صواريخ، وطائرات مسيرة، وتطويرها لتصل مداها إلى العاصمتين الرياض وأبو ظبي. ومن البديهي، أن الحروب لا تحسم عادة من الجو بقدر ما تكون اسناداً للحسم على الأرض. وعليه، فإن مثل هذا الأمر يعد أيضاً من العوامل المؤكدة لإطالة أمد الحرب وتقسيم اليمن.
حقيقة، إن دور التحالف العسكري العملياتي كان مخيباً للآمال خلال مرحلة ما قبل الهدنة التي تشهد حاليا معارضة في تجديدها من قبل جماعة الحوثي إلا بتنفيذ جميع الشروط التي طرحت من جانبهم للمبعوث الأممي (هانز غروندبرغ) السويدي، والمبعوث الأميركي (ليندر كينغ).
وإذا ما عدنا إلى تطورات الحرب، لوجدناها عبثية مع مرور الوقت، ناهيك عن بروز مليشيات محلية للتحالف مدعومة إماراتياً لم تستجب إطلاقاً في تنفيذ بنود (اتفاق الرياض 1و2) حتى بتواجد (مجلس القيادة الرئاسي) في (عدن) الذي وصل مؤخراً من (الرياض) إلى العاصمة المؤقتة (عدن) لمباشرة عمله لمرحلة انتقالية جديدة يوم 19 أبريل 2022م.
علماً إن مجلس القيادة الرئاسي مكون من رئيس وسبعة أعضاء بدرجات نواب رئيس، ثلاثة منهم قادة مليشيا، ومحافظان برتبتي (لواء) وعضو مجلس نواب ومستشاران للرئيس (عبد ربه منصور هادي) الذي سلم السلطة باستــــــقالة مفاجئة في 7 أبريل 2022م، وبصورة لا تنم عن دستوريتها وقانونيتها ويعتبر بحكم (المقال) وبوجه غير شرعي لرئيس دولة- حسب المشرعين.
اما بالنسبة لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي؛ رئيساً ونواباً للرئيس، قلما يجمعهم التعاون، بل ينقصهم الانسجام والتوافق في السياسات، بل إن تواجدهم عبارة عن تأدية مهام مؤقتة.
ويسود الاعتقاد، إن تواجدهم في العاصمة المؤقتة عدن وبعبارة أدق لا يعدو أن يكون مسكناً أو مهدئاً للأوضاع في مناطق تواجد التحالف وذي صلة بترتيب مؤقت لأوضاع وأطماع إقليمية ودولية في الجزر والموانئ اليمنية.
على صعيد آخر، هناك مآخذ على الهدنتين السابقتين اللتين لم تثمرا حتى الوقت الراهن بحلول ناجعة بالنسبة للوضع الأمني الداخلي ومعيشة السكان. وفي السياق نفسه، تتواجد فرقة عسكرية سعودية في محافظة المهرة، ومما يزيد الطين بلة تواجد عسكري أجنبي أيضاً في كل من شبوة والمهرة- حسب السكان المحليين-.
في واقع الأمر، إن تواجد التحالف العسكري السعودي-الإماراتي في المناطق الجنوبية مدعوماً بمليشيات محلية ممولة إماراتياً إنما يكرس السيطرة على موانئ، وجزر يمنية في البحر الأحمر وبحر العرب، وبالذات أرخبيل (سقطرى) و(ميون)، وموانئ (المخاء) و(عدن) و(شقرة، و(بلحاف)، و(المكلا) و(الشحر) و(نشطون) و (سيحوت) و(دمقوت) و(حوف) و (قشن)… الخ. بحجة تأمين الممرات البحرية الاستراتيجية ومكافحة المخدرات والتهريب والإرهاب على امتداد السواحل اليمنية من جنوب الحديدة حتى المهرة وبدعم وتنسيق لوجيستي اميركي – بريطاني وإسرائيلي.
إن كل ما يحدث للأسف الشديد، تدفع ثمنه (اليمن) أرضاً، وإنساناً، وجغرافية، يقابله موقف أنجلوسكسوني أميركي – بريطاني مخيبا للآمال من منطلق سعيه الرامي لصياغة المنطقة بما يحقق تنفيذ مشروع القرن الامبريالي الصهيوني الساعي للهيمنة العالمية: التجارية والاقتصادية من خلال تأمين الممرات المائية الاستراتيجية والجزر والموانئ لمرور ناقلاته النفطية والغازية والتجارية وقطع الطريق على الصين كمنافس اقتصادي قادم (لامحالة) خلال العقود القادمة.
الجدير بالتنويه، بإن أفضل وأدق ما يمكن التعبير عن التحالف العسكري في اليمن، سوى هذا البيت من الشعر:
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
حقــــــــاً، إن الإجراءات المتخذة من قبل التحالف العسكري السعودي – الإماراتي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التي تدعو كل الأطراف والدول الأعضاء أن تمتنع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها تقويض وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية.
الجدير بالذكر أن مثل هذه الانتهاكات لن يقبلها الشعب اليمني المعروف بطبيعته، وتاريخه الرافض لكل معتد آثم على سيادته وسلامته الإقليمية، فالتاريخ عبر، وعلى من دبر واستسهل، عليه، أن يعي حكمة تبابعة (ملوك) اليمن “من ظفّر حمّر“.
وما أشبه اليوم بالباحة، فإن أتى من أتى طامعاً إلى اليمن، فلن يعود إلا مهزوماً ممرغاً بالتراب، طال الزمن أو قصر، ومن أتى أخاً أو صديقاً أو ضيفاً أو مستثمراً بموجب القانون، فعلى الرحب والسعة. ولله العزة والمنعة.
اقرأ ايضاً للكاتب قراءة في الوضع اليمني الراهن قبل فوات الأوان