حفريات معرفية

إصلاح  الخطاب الإسلامي 2    

إصلاح   الخطاب الإسلامي 2     
713 زيارة

المحرر

إصلاح الخطاب الإسلامي 2

 

 

المقصود بالحفريات المعرفية هو: البحث في أعماق اللاوعي الفكري والثقافي عن الأسباب والعوامل والأفكار اللاعقلانية التي تسللت إلى العقل المسلم، وأصبح رازحاً تحت أفكار مرهِقة! ومهما كانت محاولات التخلص يجد نفسه مكبلاً باللغة الملغومة والثقافة السلبية المستندة إلى فهم ديني لم يكن فهما سليماً.

وإنما أقل ما يقال عن هذا الفهم أنه أفكار ناتجة عن صراع حصل في القرون الغابرة حول قضايا ليست من العقيدة ولا من الشريعة!، وإنما هي صراعات سياسة البسوها لباس العقيدة. ولما دخل العقل المسلم نفق التقليد والجمود، واستمر راسفاً في قيود الجمود والتقليد طيلة قرون، تحولت تلكم الصراعات إلى عقائد محل تسليم!.

أليست أركان الإيمان معروفة في القرآن والسنة؟ لكن إذا نظرنا في كتب التراث العقدي – العقيدة الطحاوية نموذجا- سنجد215 عقيدة وهذه هي عقيدة اهل السنة والجماعة؟!.

 

الثقب الأسود

 

إن أخطر الأفكار التي أصبحت محل تسليم عقدي، وفكري، ثم أصبحت ثقافة وسلوكاً وذلك لعدد من الأسباب:

·         منها أسباب مشتركة بين مدرستي السنة والاعتزال:؛ كتصارع الفرقاء خدمة للسلطان، فاستدلت مدرسة الاعتزال بأن الله خلق الأسباب وأجراها باضطراد تعمل ليل نهار، فمن تعاطى معها بإحسان وإجادة توظيف استجابت معه دون محاباة، يستوي في ذلك المسلم والوثني والبوذي إلخ.

·         أما مدرسة السنة، بطبيعة الحال فقد خالفت مدرسة السنة ليس لقوة دليلها، وإنما الصراع جعلها تتعسف الأدلة راكبة الصعب والذلول بهدف نقض القول بالأسباب، من خلال جدل عقيم حاكمت خصومها إلى مفهوم ليس محل خلاف بين الفريقين قائلة: أن الله الذي خلق الأسباب هو القادر على تعطيلها، واستدلت بمعجزات الأنبياء التي خرقت نواميس الأسباب.

·         وهذا المفهوم لا خلاف عليه بين الفريقين، لكن بعد الضربة السياسية التي وجهها الخليفة المتوكل العباسي لمدرسة المعتزلة انتهزت مدرسة السنة الموقف مكرسة استدلالها السقيم أن الاسباب لا وزن لها ولا أثر وأن القول بتأثير الأسباب نوع من الشرك والوثنية والعقائد المجوسية ومناقض لأركان الإيمان، وإن الالتفات إلى الأسباب والتعاطي معها فساد في المعتقد لأن الأسباب مخلوقة، فكيف نترك الخالق ونتعلق بالمخلوق؟ أجزم أن هذا الاستدلال إرهاب فكري بامتياز!، فانزوى العقل المسلم إلى دهليز الجمود خوفاً على دينه ومعتقده.!

·         الإنسان مسيّر: خلا الجو لمدرسة السنة التي اشتهرت بعد ذلك بمتكلمي الأشاعرة.. وهذه المدرسة استوعبت فقهاء المذاهب الفقهية السنية والظاهرية بنسبة 97% تقريباً. فمدرسة الحديث انساقت مع من سبق عدا قلة قليلة منها خالفت الأشاعرة، ولكن اضطربت أقوال بعض رجالاتها إلا النادر منهم.

·         التصوف الفلسفي: تكبل العقل المسلم بالجمود المذهبي الفقهي، والمدرسة الكلامية الأشعرية، غير أن ثالثة الأثافي القاتلة هي تسلل التصوف الفلسفي الهندي الفارسي- الدروشة والخرافات، والذي أنغمس في أوحال الفلسفة اليونانية الغنوصية والهرمسية الوافدة القائلة بوحدة الوجود، أي لا فرق بين بين خالق ومخلوق وبين الله والكون تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا.

·         التصوف الفلسفي تسلم (راية التزكية): صدر مرسوم عال قضى بعدم قبول فتيا الفقيه مهما علا كعبه وبزّ أقرانه، أو رسخت علومه، إلا بشرطين: الأول دخوله مدرسة التصوف المتخصصة بالتزكية القلبية- عقيدة وسلوكا، والثاني: الحصول على – الخرقة- قطعة قماش ذات لون مميز يمنحها شيخ الزاوية للفقيه يثبتها فوق كتفه. ومهما تغيرت ملابسه لابد من نقل المرقّعة مهما تهالكت إلى ملابسه الجديدة! هذه المرقعة هي الشهادة العلمية دون سواها!.

·         أحادية التلقي: هذه العاهة المدمرة مظهر لتطور الانحطاط الفكري والتربوي والعقلي في المدرسة الصوفية! تمثلت هذه في مفهوم تربوي صوفي مفاده: الذي له شيخان كالمشرك بالله!، يمكن للفقيه أن يكون له 100 شيخ أو أكثر في الفقه واللغة والحديث والتفسير، لكن في التزكية القلبية السلوكية لا يجوز أن يكون له شيخان أبدا!. وبما أن المرقعة يمنحها الشيخ الأوحد فلا مجال للفقيه إلا الخضوع للقول الأوحد.. وإذا مال إلى غيره وقع في الشرك!.

·         وراثة الزاوية: كما توارثت القرشية الخلافة، فقد أصبح إرث منصب القضاء وقيادة الجيش والوزارات وكذا الزاوية الصوفية!. فمحنة التوارث أفسدت الوسط الفكري، والفقهي، والتربوي الصوفي؛ ذلك إنه في البدايات كان يتربع على المناصب شخصيات لديها كفايات علمية وتزكية الخ. لكن محنة التوارث أوصلت أجهل الجهلاء إلى سدة المدرسة الصوفية، فهل فاقد الشيء يعطيه؟.

·         خرافات وسخافات: تربع الجهلاء على قمة الزوايا الصوفية!، وليس لديهم أثارة من علم، عدا خرافات وسخافات ومنامات- مدخلات ثقافية حول خوارق الشيوخ والكرامات الخارقة للأسباب وسبل الوصول إليها، مستحضرين عداوة خيالية لمدرسة الاعتزال والتي يجب محاربتها بإثبات عكس مذهبها المتمسك بالسنن والأسباب حفاضا على العقيدة!؟ وأنى لطالب التزكية وخرقة المرقعة مهما علا كعبه في العلوم أن يبدي رأيا؟ فإن شيخه الأوحد سيسحب منه العلوم والمعارف كلها في لحظة!.

·         تربية منحطّة: ابتكرت الزاوية أسلوبا تربويا في غاية الانحطاط المنافي للكرامة الانسانية فضلا عن تكريم العلم وحامله! تمثل هذا الأسلوب التربوي المنحط، أنه في حالة صدور خطا من طالب الخرقة التزكوية تجاه زميل له، فالشيخ يصدر حكماً تربوياً ضد الطالب بأن يحمل جميع نِعالٌ زملائه بخيط ينتظمها على رقبته21 يوماً ينام ويأكل ويصلي في المسجد ويحضر موارد الماء بأمر الشيخ أمام النساء والفلاحين، ويرتاد الأسواق والمجالس مطوقاً بأَنْعُلٌ زملائه! ومالم فالشيخ سيذهب بعلمه كله.! ولنا أن نتصور نتائج وثمار هذه المدخلات التربوية؟ أيّة عزّة؟ أيّة عقليّة؟ أيّ تفكير إبداعي سيتمخض عن هذا السقوط بإنسانية الإنسان؟ بكلمتين؛ هل هذا السقوط هو مراد الله وقضاؤه وقدره؟

·         إسقاط المسؤولية: بما أن كل ماسبق هو الدين وهو العقيدة وهو التزكية الصادر عن الشيخ الأوحد، وكل ذلك مراد الله! إذن فالكفر والفسق والفساد والفساد والطغيان والتخلف واحتلال أرض المسلمين ونهب خيراتها من قبل أعداء الإسلام كل ذلك مراد الله وقضاؤه!. والقول بغير هذا هو اتهام لله عز وجل بالعجز أي أنّه يُعصى رغماً وخارج عن إرادته؟ تعاليت ربي وتقدست أسماؤك، وأقبح واسوأ وأسقط نتيجة وصلت اليها مدرسة انكار الاسباب واسقاط المسؤولية.. قولها والعياذ بالله واستغفرا الله، إن الفاعل في الحقيقة هو الله؟؟ بالطيف اللهم اغفر لنا، القاتل هو الله وليس المباشر؟ وكل الجرائم فاعلها في الحقيقة، استغفر الله.

النتيجة: إسقاط المسؤولية عن المجرم عقيدة وتزكية وإن كان الفقيه يؤمن بها كشريعة قانونية فإن التزكية هي الأساس في تكوين شخصيته العلمية؟ استمرت الزاوية مصدراً للانحطاط على امتداد العالم الاسلامي وحتى اللحظة!، والدنيا ملعونة، وإهانة النفس بتلك الطريقة المنحطة هو تكريمها!.  إذا فالكفر بالأسباب، والكفر بإنسانية الإنسان، واسقاط المسؤولية عن المجرم، والالتفات لشيخ آخر شرك بالله؟. هذا هو الإيمان الحق، وهذه هي التزكية الحقة التي أرادها الله.!

وليس أخيراً:

فقد تم تطويع آيات القرآن وصحاح السنة بتأويلات عفنه؛ كي تتناسب مع ذلك العته، ويصل الأمر بداية وأثناء وفي النهاية إلى القول: النص مظلة للفهم فاعتمد مقولة شيخك تسلم، وأعلم أن أهل الجنة هم المجانين فإياك تعترف أنك عاقل؟ وإياك ثم إياك أيها المسلم أن تسأل عن مقاصد التشريع وأسراره؟ فالشريعة مجموعة الغاز، والتعامل مع النصوص مباشرة مظلة أفهام!.

 

 

العلامات:  إصلاح الإسلامي

شاركها:  

اشترك في نشرتنا ليصلك كل جديد

نعتني ببياناتك ونحترم خصوصيتك. للمزيد اقرأ  سياسة الخصوصية .

اقرأ ايضا