إلى الله

إلى الله
1606 زيارة

المحرر

 

إلى الله


فيصل علي


إلهي القدير أود أن أبعث إليك رسالة لا ككل رسائلي السابقة، في البدء لك الحمد، ولن أُحيطك بشيء أبداً في هذه الأحرف، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علّام الغيوب، ساعدني في هذه الأثناء على تذكر ما أردتُ قوله لك خلال هذه الأيام الطيبة، وأنت تعلم إحجامي عن الكتابة إليك خوفاً ورهبةً منك، ولذا ها أنا أقدم حرفاً وأؤخر حرفاً.

في هذه الأثناء والعتمة يملأ الآفاق ولا نور أستضيء به في وحشتي إلا نورك، وفي خلاء من الخلق لا أحس معي فيه إلا أنت، وصوت الريح وحفيف الشجر، هنا في هذا الجزء القصي من العالم وضعتني أنت في إختبار اجتزتُ أكثره بفضلك، تذمرتُ كثيراً في السابق لكني أدركتُ مؤخراً أن هذا تدبيرك، وها أنا مطمئنٌ بك إلى ما لا نهاية.

افتقدتك كثيراً فيما مضى وكنت أطيش كريشة في مهب الريح من حين لحين،  بحثتُ عنك طويلاً ولا أكاد أجدك، وفرحتُ كثيراً في كل مرة وجدتك فيها قريباً، وكلما حاولت تطهير بيتك الذي في صدري تدركني قذارات شتى فيظل قلبي معلق بالبحث عنك وواقع في مسائل ثانوية كثيرة لا تُحصى، تنقطع أنفاسي مرات وأعود للوقوف متشبث باللاشيء وتركتُ بيتك خاوياً إلا من انكساري لك، وتأتي لحظة صمت مُخيفة فاسمع بمن يصدح باسمك في ذرات الكون، في تغريد طائر، وفي صوت لحن يبكيني، وفي وجه مُغبر من الكدح ، وفي أنَّات متألم يَكْوِيه البعد والوجع، وفي صوت أمي القادم من بعيد واهناً، وفي حشرجات صوت أبي وهو راض عن هذا التيه.

أكتب إليك وهذه النجوم شاهدة أني بحثتُ عنك في أصوات القراء فلم أجدك، وفي بعض بيوتك ولم أجدك، وفي بعض حِلق الذكر ولم أجدك، كنت أعلم أن الأمر يعود لي وليس للكون من حولي.

في رحلة البحث عنك في كل الفصول الأربعة وفي كل العقود المُوَشَّاة بالوحشة والفقد واللهفة كنت تنتظرني على مسافة لا أستطيع قياسها، وكلما أمسكتُ بقبس من نورك الذي لا يخبو أضعتُ الطريق ثانية، وخرجت من جُبّة الإنسان المُبجل منذ زمن مقترباً من المعادلات الصفرية وبحساب فلاح لا عليَّ ولا ليَّ، وشعرتُ ببعض الراحة عدد لا بأس به من المرات، لكن الألم يفوق قدرتي على التحمل والضياع يحيط بجوانب الصحراء الأربعة.

يا لجهلي كيف طاوعتُ نفسي أن أبعث إليك رسالة من ورق الضوء المكتوب؟!، كيف قادني شعوري لهذه المرحلة من الجرأة للمثول بين يديك بعريضة لا أدري ماذا أريد أن أقوله لك فيها؟!، كنتُ هذه الأيام قد قررتُ أن أجد روحي ووجدتها، وأن أعيد قوة التركيز كما كانت وفعلت، فقط أردت أن أشكرك دوماً على مجمل العمليات الحسابية السريعة التي تجري في رأسي حيال كل قضية شائكة، وكيف كنت أغير رأيي في كل مسألة مرات عدة، وكيف تتجمع الفكرة الأقرب للصواب في كل الثواني التي تدور فيها تلك العمليات المتتالية بين الدماغ والقلب، كنت أتتبع أثر اطمئنان الروح وتحذيرات العقل فأجد نفسي هناك.

إلهي العليم بذرات هذا الكون، لن أضع بين يديك هنا مسائل خاصة أو عامة ما أريده أنت تعلمه، وقد تحدثتُ إليك عنه بلا انقطاع، فقط أتحدث إليك عن مسألة مُلحة أحتاجها فالهمني يا ربي إلى إعادة صياغة القدر من جديد، ووضع المتناقضات في مواضعها الصحيحة، فاللحظة صفرية ياربي، ولابد من نورك البهي حتى تُزيح هذه الظلمة عن بصيرتي، وتفك كل قيودي التي أثقلت كاهلي وأن تطلق يدي حتى أستطيع تشكيل القدر كما ترسمه هذه العمليات المتزايدة في عقلي.

أطلتُ عليك ربي فتحملني أكثر فليس لي إلاك، مللتُ من مخاطبتك عبر أَلْسِنة غيري ولذا أخاطبك كما يحلو لي، وكما تحدثني أشواقي إليك، فأسألك دوام الشوق لك، والحب لك ودوام رؤيتك وملاقاة رحماتك في أرجاء الكون، ربي اِجْعَلْ لي آية تحطيم الخرافة، وإعادة تشكيل الذهن، ووضع زوايا الرؤية المُوصلة إلى ما يُرضيك يا الله.

أعلم أن حروفي قد تاهت فأرشدني لجمعها وإيصالها إليك دائماً وأبداً، وأجمع لهذا القلب ما أخبرك به على الدوام، فلم يعد يحتمل ياذا الجلال.

 

*منشور في صفحة الكاتب على الفيس بوك في /4 يوليو 2016م.

 

اقرأ للكاتب أيضاً النص الكوني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العلامات:  إلى الله مناجاة

شاركها:  

اشترك في نشرتنا ليصلك كل جديد

نعتني ببياناتك ونحترم خصوصيتك. للمزيد اقرأ  سياسة الخصوصية .

اقرأ ايضا
title
إلى الله