الصحافة العالمية تقيّد استخدام الذكاء الاصطناعي، والعربية تراقبه بحذر، وماليزيا تدعمه ضمن إشراف حكومي منضبط الذكاء الاصطناعي يجتاح غرف الأخبار مساعد صحفي أم تهديد مهني

Published:
المشاهدات:
1744
الذكاء الاصطناعي يجتاح غرف الأخبار مساعد صحفي أم تهديد مهني

اليمنيون – كوالالمبور
مع توسّع قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي بدأت المؤسسات الصحفية في أنحاء العالم، من المؤسسات الإعلامية الغربية إلى العربية والآسيوية، باعتماد أدواته داخل غرف التحرير، في خطوة مثّلت نقلة تقنية كبيرة، لكنها لم تخلُ من الجدل المتصاعد حول حدود استخدام هذه الأدوات، وأثرها على المصداقية، والموهبة الصحفية، والضمير المهني.

المؤسسات الإعلامية الدولية الكبرى مثل "نيويورك تايمز"، ووكالة "رويترز"، و"أسوشيتد برس" كانت في طليعة من أدخل أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين العمليات الإنتاجية، كتلخيص الأخبار واقتراح العناوين وإدارة تدفق المحتوى. غير أن هذا التبني جاء مشروطًا، إذ تم فرض قيود صارمة تمنع نشر أي محتوى تمت كتابته بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي دون مراجعة بشرية مباشرة. بل إن نيويورك تايمز اتخذت موقفًا تصعيديًا، حين رفعت دعوى قضائية ضد OpenAI متهمةً إياها باستخدام أرشيفها الصحفي لتدريب نماذجها دون إذن. (niemanlab.org, reuters.com)

وفي بريطانيا، اختارت صحيفة "الغارديان" نهجًا تجريبيًا أكثر مرونة، إذ سمحت بنشر مقالات مكتوبة جزئيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي، بشرط الإفصاح الصريح للقارئ عن ذلك. لكن النقابة الصحفية البريطانية طالبت بوضع قيود أكثر صرامة، محذّرة من طمس الفارق الجوهري بين الكاتب البشري والآلة.

أما في العالم العربي، فقد دخلت تقنيات الذكاء الاصطناعي غرف التحرير بخطى حذرة ومحدودة. فقد أطلقت شبكة "الجزيرة" مؤتمرًا متخصصًا حول الذكاء الاصطناعي في الإعلام، وبدأت استخدامه فعليًا في تحليل البيانات وتوليد العناصر البصرية، مع تأكيدها التام على ضرورة أن تُخضع أي مادة مكتوبة لمراجعة بشرية قبل النشر، وعدم السماح بأي اعتماد كامل على النماذج التوليدية في تحرير المقالات.

وفي الإطار ذاته، اعتمدت قنوات مثل "العربية"، و"سكاي نيوز عربية" على الذكاء الاصطناعي في مكافحة الأخبار المضللة، والتعرف على المحتوى المُزيف بما في ذلك صور الـDeep Fake، لكنها حافظت على جوهر الكتابة الصحفية بيد المحررين، ولم تسمح بتجاوز الدور التحريري للعنصر البشري.

في السياق الآسيوي، كانت ماليزيا من الدول التي تبنّت الذكاء الاصطناعي في الإعلام ضمن مشروع وطني للتحول الرقمي. وقد أعلنت الحكومة الماليزية تخصيص مبلغ 30 مليون رينغيت لدعم تدريب الكوادر الصحفية وإدخال أدوات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية. كما أعلنت مجموعة "Media Prima" خططًا لتوسيع اعتمادها على الذكاء الاصطناعي بحلول نهاية عام 2025. كذلك، أكدت شبكة "RTM" الرسمية أن استخدام الذكاء الاصطناعي سيقتصر على البرامج الترفيهية والعناصر الفنية، مع التأكيد على إبقاء البرامج الإخبارية والتحليلية تحت إشراف الصحفيين والمنتجين البشر. (thestar.com.my)

ورغم هذا التبني المنضبط نسبيًا، لا تزال المخاوف الأخلاقية تتزايد داخل الأوساط الإعلامية. فقد عبّرت نقابات صحفية وخبراء إعلام عن قلقهم من ظاهرة نشر مقالات مكتوبة كليًا بواسطة الذكاء الاصطناعي، تُنسب إلى صحفيين لم يساهموا فعليًا في إنتاجها. هذا التوجه، بحسبهم، لا يهدد فقط نزاهة المهنة، بل يُسهم في تزييف الموهبة، وخداع الجمهور، وتقويض الثقة بين الصحافة والمتلقي.

فعلى الصعيد العربي، شارك الاتحاد العام للصحفيين العرب في مؤتمر الإعلام العربي 2024، مؤكدًا على ضرورة تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي دون الإخلال بأخلاقيات المهنة وهويتها الصحفية، والدعوة إلى تطوير تشريعات تضمن الشفافية وتحفظ حقوق الصحفيين.

وعلى المستوى الدولي، أكد الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) في تقريره لعام 2024 أن المخرجات الآلية للذكاء الاصطناعي لا تُعد صحافة حقيقية ما لم تمر بإشراف بشري مهني، داعيًا إلى إنشاء إطار عالمي يحمي الحقوق المهنية والأخلاقية للعاملين في الإعلام.

أما في ماليزيا، فقد أعرب الاتحاد الوطني للصحفيين الماليزيين (NUJM) عن قلقه من الاستخدام غير المنظّم للذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار، محذرًا من تقليص فرص العمل وتآكل الثقة بين الجمهور والمؤسسات الإعلامية، مطالبًا بمشاركة الصحفيين في صياغة سياسات التحول الرقمي داخل المؤسسات الإعلامية.

الصحافة تدخل اليوم عصرًا جديدًا من التحولات العميقة، لكنها تظل بحاجة إلى ضمير مهني لا يقلّ أهمية عن أي تطور تقني. فالذكاء الاصطناعي ليس خصمًا للمهنة، بل أداة فعّالة إذا استُخدمت بشفافية ومسؤولية. والمعادلة التي ينبغي أن تتبناها غرف التحرير الجادة واضحة: الذكاء الاصطناعي أداة للمساعدة، لا بديل للمحررين الصحفيين، لتظل مهنة الكتابة فعلًا بشريًا خالصًا، محكومًا بالحسّ والوعي والصدق.

وبين الغش والابتكار، وبين التواكل والإبداع، يبقى الصحفي الحقيقي هو من يُحسن استخدام الأدوات الجديدة لخدمة الحقيقة، لا من يتوارى خلفها لسرقة الضوء والتصفيق.

ملاحظة: هذا التقرير تمت صياغته جزئيًا باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، تحت إشراف ومراجعة فريق التحرير في موقع اليمنيون. نلتزم بالشفافية والدقة في تقديم المعلومة. 
expanded image