استعادت اليمن تمثال الملك القتباني شهر هلال و15 قطعة أثرية نادرة من فرنسا بعد معركة قانونية ودبلوماسية استمرت خمس سنوات، لتعرض مؤقتًا في متحف بباريس قبل عودتها النهائية إلى الوطن.
باريس – اليمنيون
بعد جهود قانونية ودبلوماسية امتدت لخمسة أعوام، نجحت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في استرداد تمثال الملك القتباني الشهير "شهر هلال"، إلى جانب 15 قطعة أثرية نادرة، من السلطات الفرنسية. ويعود تاريخ هذه المقتنيات إلى الفترة ما بين القرن الرابع قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، وهي حقبة تمثل ذروة ازدهار الممالك اليمنية القديمة مثل قتبان وسبأ ومعين وأوسان.
يمثل هذا الإنجاز خطوة فارقة في مساعي اليمن لاستعادة تراثه المنهوب، إذ ما تزال مئات القطع الأثرية اليمنية معروضة في المزادات العالمية أو محتجزة في متاحف ومخازن خارج البلاد، في ظل الحرب المستمرة منذ ما يقارب عقدًا من الزمن، والتي فتحت الباب واسعًا أمام شبكات تهريب الآثار.
كشف الدكتور محمد جميح، سفير اليمن لدى اليونسكو، في بيان نشره على منصة X، تفاصيل العملية التي وصفها بـ"الانتصار للهوية اليمنية"، موضحًا أن عملية الاستعادة تمت عبر تنسيق وثيق بين سفارة اليمن في فرنسا وبعثة اليمن لدى اليونسكو، وبمتابعة مباشرة من السفير الدكتور رياض ياسين، وبدعم متواصل من وزارة الثقافة اليمنية.
وأوضح جميح أن التعاون مع السلطات الفرنسية، ممثلةً في إدارة مكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية بوزارة الداخلية، والإدارة العامة للآثار والعمارة بوزارة الثقافة، كان أساسيًا لإنجاح هذه الخطوة. كما أشاد بدور الخبير اليمني عبد الله محسن، الذي زود الجهات الرسمية بصور وبيانات دقيقة حول القطع، مما سهل عملية التحقق من أصالتها وتتبع مسارها القانوني.
من الجانب العلمي، شارك العالمان سابينا أنتونيني (إيطاليا) وكريستيان روبان (فرنسا) في تقديم تقارير تفصيلية أثبتت أصالة القطع وعلاقتها بالحضارة اليمنية القديمة. وعلى الصعيد القانوني، لعب المحامي ديفيد دومارشيه دورًا محوريًا في متابعة الإجراءات حتى لحظة التسليم الرسمي.
تضم المجموعة المستعادة مجسمات بشرية لذكور وإناث، ورؤوس حيوانات، بالإضافة إلى ألواح جنائزية، وجميعها تمثل نماذج فنية وثقافية فريدة تعكس مكانة اليمن في طرق التجارة العالمية القديمة.
وبحسب الاتفاق المبرم مع الجانب الفرنسي، ستُحفظ هذه القطع مؤقتًا في مخازن وزارة الثقافة الفرنسية، مع خطط لعرضها في أحد متاحف باريس، إلى حين استقرار الأوضاع الأمنية في اليمن، حيث يحق للحكومة اليمنية استعادتها في أي وقت عبر القنوات الدبلوماسية.
وفي تعليق على الحدث، دعا البروفيسور عارف المخلافي، أستاذ تاريخ الشرق القديم والجزيرة العربية بجامعة صنعاء، رجال الأعمال اليمنيين إلى المشاركة الفاعلة في حماية التراث، من خلال تمويل شراء القطع النادرة التي تظهر في المزادات والأسواق العالمية.
وقال المخلافي إن "الجهود الدبلوماسية والقانونية تحتاج إلى سند شعبي ومجتمعي"، مشددًا على أن الحفاظ على الهوية الحضارية لليمن يتطلب تضافر العمل الرسمي مع المبادرات الفردية والجماعية، حتى لا يظل التراث رهينة التهريب والضياع.
هذا الإنجاز يفتح الباب أمام خطوات قادمة لاستعادة المزيد من الكنوز اليمنية المفقودة، ويعيد الأمل في أن يعود التراث اليمني إلى موطنه، ليكون شاهدًا على حضارة ضاربة في عمق التاريخ.