بين النقوش وقرني الشمس… سيرة اليمني في الذاكرة والجغرافيا أنا اليمني الحاضر في الذاكرة والغياب

Published:
المشاهدات:
2201
أنا اليمني الحاضر في الذاكرة والغياب

نص نثري شعري النفس بلسان اليمني العابر للعصور؛ رحلة في الذاكرة والجغرافيا، من النقوش والجبال إلى الأساطير وقرني الشمس. سردية حضور وغياب.

 

أنا اليمني أُبعث بالتاريخ، وأعيش في سرديات الوطن وتنوع المجتمع، وأموت في الجغرافيا.
تبعثني النقوش بعد آلاف السنين من موتي، أنهض وأستعيد معاركي وأوهامي، وأَبعث أعدائي وخصوماتي وغزواتي، وكأني نمت عنها ليلة أو ثلاث.
أنا العاشق دوماً، والميت حباً، والحي الذي لا يموت قبل أن يفي أمنياته حقها من الخيبات والوجع، وقبل أن يمارس الغواية والطيش، ويعيد كل أخطائه بحسب ترتيبها.

أنا الحي في الذاكرة، والمقبور تحت صخرة أو تحت جذع شجرة، والمدهش البارع في بطون الكتب.
على مدرجات الجبال نقشت كبريائي.

أنا الحاضر والغائب معاً، أتَّزر بالسماء متى شئت، وأمطر وأوزع الأنواء والأجواء، أنثر للناس بيض الطيور، عسل النحل، ولحم الضأن، وأقتسم حبات الجلجل مع رفيقاتي المؤنسات.

لا أحلم في الدجى، تنبت خرافاتي في الضحى متحدية الشمس والبحر والريح.
أحرسها وتحرسني ظبية من الجن طالما اعتقدت أنها أمي التي أنقذتني من وحوش الغابة.
أشبهها عندما أقف على حافة ماء، أشاهد قرنيَّ متشعبين، لونهما الذهب وتمنحهما زرقة الماء والسماء فيضاً من السناء.

في صباي، أتذكر أني خلقت بيديَّ تسعة عشر إلهاً، وزعتها في الشمال واليمين والوسط.
وعندما أدركت أني تيتَّمت، أكلتها جميعاً، وأعدت رسمها على شكل زهرات، فلاحين سمر السواعد، وأثوار تحرث الصخر.

في الليل، خبأت آلام المسير، وتذكرت أن الوديان عطشى، والجبال تخفي الرعاة والوعول والرباح.
مسَّني حزن لانحسار النهر، وغياب جنين القمح من الحقول، وعبث الغيوم بلون القمر.

 

أيتها الأسفار والبحار والبلدان والخلجان، اتركيني لحظة أموت فيها مرة كما أشتهي، أودع من أريد، وأسرج خيلي قبل الرحيل الكبير.
دعيني أكفر بالكهان والغلمان عديمي الوجدان، وأركض خلف قرني الشمس، أمسح بهما الغبار عن أقدامي المتعبة.

 

فيصل علي

سيلانجور 16 أغسطس 2021م

expanded image