الجمهورية اليمنية: الهوية السياسية لليمن الكبير

الجمهورية اليمنية: الهوية السياسية لليمن الكبير
1226 زيارة

فيصل علي

الجمهورية اليمنية: الهوية السياسية لليمن الكبير

FB IMG 1590692221816

الجمهورية اليمنية: الهوية السياسية لليمن الكبير

 

* فيصل علي

 

 

• توطئة:

 

تحية طيبة لكم جميعاً في الذكرى الثلاثون لتحقيق وحدة الوطن، تحية لشعبنا اليمني ولكل أحرار اليمن الكبير في الداخل والخارج بمناسبة الذكرى الثلاثين لميلاد الجمهورية اليمنية 22 مايو 1990، نحن لا نحتفل وليس لدينا كرنفالات .. نحن نؤكد على حقنا في التمسك بجمهوريتنا ودولتنا وحقنا في بلدنا رغماً عن الانقلابات والتدخلات الأجنبية، و بلدنا يعيش هذه الظروف العصيبة حروب وقتل وتشريد، وإهمال وانعدام خدمات وعجز عن مواجهة وباء كوفيد – 19 والحُميات الأخرى، ووفيات لا تتوقف.

 

إننا هنا لنحيي ذكرى عزيزة على قلوبنا جميعاً، ذكرى حلم الأجيال وحلم الأحرار الذين حلموا بيمن كبير في القرن الماضي عندما قرروا مقاومة الرجعية والاستعمار، وخرجوا في ثورة يمنية واحدة شملت الشمال والجنوب اجبروا الرجعيات على الهروب والانزواء والاحتلال على المغادرة، واعلنوا في 26 سبتمبر 1962 وفي 14 أكتوبر 1963 أن اليمن لليمنيين وأن صنعاء لليمنيين وعدن لليمنيين وحدهم على هذه الأرض ولا يقبلون بعملاء التشطير والتمزيق عملاء الرجعية والاستعمار.

 

حديثي اليوم موجه فقط لحملة القضية اليمنية في قلوبهم وأرواحهم وعقولهم لمن يقاومون الانقلابات، لمن يقاومون الميليشيات، لمن يقاومون التدخل الاجنبي، لمن يقاومون تمزيق اليمن، لمن يرفضون أي تدخل كان معناه ومسماه وتحت أي شعار ولافتة جاء، حديثي لمن يقاومون التطرف، لمن يقاومون الهواجس والفحش في اختلاق الخصومات، أوجه كلامي محملاً بعبير الحب للوطن اليمني الكبير لكل من عاهدوا الوطن في صباحاتهم المدرسية وقالوا بأعلى أصواتهم “وسيبقى نبض قلبي يمنيا”

 

كلامي ومحاضرتي لمن هم في الميادين الآن يرفعون اسم الجمهورية اليمنية عالياً، لمن يواجهون قوى البغي والشر التي تريد تمزيق الأرض والنسيج الاجتماعي لليمن الكبير، موجه للمؤمنين بالقضية اليمنية حتى أخر نفس، لا ينتظرون توجيه قادة ولا هم في وادي المناصب والرُتب والغنائم، وليسوا من قطعان “شي عيشة” ولا يبحثون عن فتات الموائد الملعونة، موائد المال الحرام والنفط السياسي اللعين.

 

أتوجه بالتهنئة لكل من ذكرتُ وحدهم، لأمهاتهم ولنسائهم ولأطفالهم، بهذه المناسبة الغالية على قلوب أهل اليمن جميعاً أينما كانوا، لا تحية إلا لهم ولشعبنا الصابر على كل أنواع الابتلاءات من فيروسات الانقلابات إلى الفيروسات الوبائية، لا أرفع تحيتي إلا لشعبي اليمني الكبير ولكل المقاومين الأحرار، لا تحية لزعماء السلطة والكراسي الوثيرة، ولا لخيالات المآتة.

 

 

• العوامل الخارجية والداخلية التي أسهمت في تشطير اليمن.

 

في 19 يناير1839 سيطر البريطانيين على عدن بحجة حادثة غرق سفينة تابعة لشركة الهند الشرقية والتي تحمل العلم البريطاني قبالة سواحلها في ديسمبر 1836، وعدم تمكن الكابتن هينس من اقناع سلطان لحج بتسليم ميناء عدن مقابل بضائع السفينة التي استولى عليها السلطان.

 

تناحر قبائل لحج وضعف سلطانها ساهم في تسهيل عملية الاحتلال، كما أن السلطة الأسمية للدولة العثمانية على اليمن لم تكن بتلك القوة لمواجهة القوات البريطانية في عدن مع أن والي اليمن كان يقيم في زبيد تهامة، تكالبت الأوضاع الداخلية والخارجية في تلك اللحظة على اليمن فتركز الاحتلال البريطاني في عدن وسواحلها ومد نفوذه فيما بعد إلى بقية السواحل الشرقية، وظلت سلطات العثمانيين تحكم مناطق تهامة والجبال في الشمال، حتى 1918 حينما هُزمت السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وسلمت اليمن لحكم الإمامة الرجعية، لا هذه الإمامة ولا المحميات الخاضعة لحكم بريطانيا في اليمن كان لديها حلم أو قدرة على بسط نفوذها والسيطرة على البلاد.

 

اكتفت القوى الرجعية بسلطناتها الاسمية في الشمال والجنوب، وأرادت بريطانيا بقاء هذه المسميات الضعيفة، ورحبت بحكم مذهبي طائفي يريحها من عناء المواجهة أو حدوث تقارب بين مكونات الشمال والجنوب، وضمنت لفترة طويلة عدم وجود مقاومة للاحتلال.

 

ضعف وتشرذم داخلي وتسلط أجنبي ساعد بريطانيا على إعادة رسم خارطة تشطر اليمن إلى شمال وجنوب، بموافقة السلطات الرجعية في المحميات في الجنوب والشرق وفي محمية الإمامة في جبال الشمال، مارست المحميات الصراع بينها برعاية بريطانية، وشن العوالق هجوماً على لحج، في حروب السلطنات الضعيفة في 1847، وشن السلطان الفضلي هجوماً على لحج في 1865، اشترت بريطانيا السلاطين ببعض المال، وأدارت عدن ومينائها وركنت على ضعف المحميات وخصوماتها البينية، وعلى ضعف نظام الإمامة ودخولها في صراع -على أقاليم اليمن الممتدة باتجاه الحجاز (عسير ونجران وجيزان)- مع دولة آل سعود والتي سيطرت على أراضي يمنية شاسعة، وفي 1934 وقع آل سعود مع الإمامة ما سمي باتفاق الطائف، هذه بعضاً من العوامل أسهمت في تشطير اليمن.

 

هناك من يذهب بالقول أن المناوشات التي حدثت بين المحميات المحاذية لسلطة الإمامة نوعاً من محاولة الإمامة السيطرة على مناطق النفوذ البريطاني في اليمن، لكنها في حقيقتها لا ترقى إلى فكرة السيطرة وإنما مناوشات وخلافات ضعيفة بين قوم ضعفاء يتقربون من الاحتلال ليمنحهم النفوذ، ولم يكن لديهم جميعاً فكرة عن المقاومة أو نوع من المعرفة بأهمية اليمن وموقعها، وبما يمكن تحقيقه من وجود دولة تجمع كل قبائل ومكونات اليمن تحت حكم واحد وسلطة موحدة.

 

وقعت سلطات الإمامة اتفاقية حماية في 1926 مع إيطاليا ومنحتهم امتيازات في المخا والحديدة، للنجاة من سيطرة بريطانيا على هذه الموانئ، وعقد يحيى المتوكل ” المدعو بالإمام ” اتفاقية مع السوفييت في 1928، ليحمي سلطته، فقامت بريطانيا بشن هجوم بالطائرات على قوات ومناطق سيطرة الإمامة فوقعت اتفاقية هي الأخطر من نوعها في 11فبراير 1934 وهي التي قضت بتقسيم اليمن بين (مستعمرة عدن وما إليها من محميات الجنوب ) وبين المملكة المتوكلية في الشمال.

 

لم تكن تعلم بريطانيا ولا السلطات المتوكلية ولا سلطات المستعمرة والمحميات أن هناك شبان وطلاب قاموا في عدن عام 1929 بإنشاء (نادي الإصلاح العربي الإسلامي) الذي شارك في تأسيسه “الشيخ محمد بن سالم البيحاني” ، بدأ رواد النادي بالتفكير بطريقة مغايرة لما هو موجود أساساً عند المستعمرة والمحميات والملكية الهاشمية في الشمال. كان طلاب النادي من كل اليمن، وفي 1944 أسس اليمنيون (حزب الأحرار) ، وفي 1946 تشكلت (الجمعية اليمانية الكبرى) امتداداً لحزب الأحرار، وبدأ الوعي بالقضية اليمنية ينتشر وصدرت صحيفة صوت اليمن في عدن في يناير 1946. وفي الجمعية اليمانية الكبرى سجل القلم مكانة في المقاومة اليمنية فقال الزبيري:

“سجل مكانك في التاريخ ياقلم

فها هنا تبعث الأجيال والأمم

هنا البراكين هبت من مضاجعها

تطغى فتكتسح الطاغي وتلتهم”

 

مرحلة المقاومة اليمنية التي بدأت بالوعي تطورت إلى ثورة في 17 فبراير 1948 ضد الكهنوت في الشمال، وارتفع صوت اليمن عالياً برغم الظروف المحيطة التي ساندت الإمامة في البقاء في الشمال منها بقاء الاحتلال في الجنوب، لكن من المعروف أن الثورة في اليمن تلد ثورة، بدأت أولى محطات هذه الثورة في 17 فبراير 1948 وكانت محطتها الثانية في 26 سبتمبر 1962 والتي أطاحت بالكهنوت الرجعي في الشمال، وكانت المحطة الثالثة في 14 أكتوبر 1963 في الجنوب ضد الاحتلال، وتوجت بانسحاب المستعمر في 30 نوفمبر 1967، وبذلك يمكننا القول أنه اُسدل الستار على خارطة بريطانيا التي وضعتها باتفاق مع قوى الرجعية السلاطينية في الجنوب وقوى الرجعية الكهنوتية في الشمال سنة 1934.

 

ومع ذلك ظلت اليمن شطرين – بسبب التركة الثقيلة للاحتلال والسلطنات الرجعية في الجنوب والتركة المتخلفة التي تركتها الإمامة في الشمال- طيلة 23 عاماً، هذه الأعوام هي عمر التشطير سيء الذكر.

 

• لماذا كانت الوحدة اليمنية الاختيار السليم لجميع الأطراف؟

 

1- واحدية الفكر والثقافة والثورة

إن أي قراءة سريعة لواحدية الثورة اليمنية من 48 و 62 و 63 نجد بما لا يدع مجالاً للشك ترابط المجتمع اليمني وتوحد أهدافه، فكانت الوحدة اليمنية في 1990 هي التصحيح الفعلي لثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر، كانت الوحدة موجودة في المقاومة والثورة والحركات المجتمعية الطلابية والعمالية، لم تقم فكرتها على القروية والتشطير والمناطقية والطائفية، وُجدت الوحدة كعنوان في أهداف الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، وفي أهداف المكونات المجتمعية والحزبية والثقافية على امتداد اليمن الكبير؛ اتحادات الطلاب في الخارج لم تتعامل مع وضع التشطير، فكانت كيانات موحدة والكل اسمهم “طلاب اليمن” ، اتحاد الأدباء والكتاب لم يقبل فكرة التشطير وطل موحداً قبل الوحدة، وعقد اجتماعاته في الشمال والجنوب بصيغة يمنية، وفي دستوري الشطرين كانت المواد الدستورية تؤكد على الوحدة الوطنية والجمهورية الواحدة.

 

2- وجود شطرين يعني وجود قوتين في كيان مجتمعي وشعبي واحد وهذا من الطبيعي أنه يحدث خلل في التوازن داخل النسيج اليمني الواحد، ولذا كانت المناوشات والحروب بين الشطرين تشتعل ويتم اخمادها محلياً وعربياً، اشتعلت في 1972 وفي 1979، وفي الثمانينات كانت حرب المناطق الوسطى في الشمال مدعومة من الجنوب، والحروب البينية في الجنوب داخل الدولة الواحدة والحزب الواحد والفكر الواحد وجدت أيضا لها دعماً من الشمال.

 

23 سنة تشطير انتجت صراعات وضحايا وتشرد، اضعفت اليمن الكبير، وأسهمت في عزلته بعد الثورة، وهذه من مساوئ مرحلة التشطير. لم يكتفي “الإخوة الأعداء” بالحروب البينية الداخلية في اليمن، بل ذهبوا ليكونوا جزءًا من ضحايا اللعبة الدولية في حرب أفغانستان؛ الشمال أرسلت مجاهدين لمساندة المجاهدين المدعومين من أميركا والسعودية، والجنوب أرسلت المناضلين لمساندة الروس، حتى وإن كانت مساندة رمزية لكن لها دلالتها السيئة.

 

 

 

3- اتفاقيات الوحدة:

لم يأت إعلان الوحدة في 22 مايو 1990 في عدن بدون مقدمات لقد كان نتاجاً لما سبق ونتيجة لاتفاقيات رسمية بين الشطرين:

 

▪️ اتفاقية القاهرة في 28 أكتوبر 1972م.

▪️ بيان طرابلس في 28 نوفمبر 1972.

▪️لقاء تعز- الحديدة في 10 نوفمبر 1973م.

▪️لقاء قعطبة في 15 فبراير 1977م.

▪️ اتفاق عدن في 6 مايو 1980م .

▪️ اتفاق صنعاء في 13 يونيو سنة 1980م.

▪️اتفاق عدن 2 ديسمبر 1981م.

▪️ اتفاق تعز في مايو 1982م.

▪️ قمة تعز 16 أبريل 1988م.

▪️ اتفاق صنعاء في 4 مايو 1988م.

▪️ اتفاق عدن في 30 نوفمبر 1989م. “هذه الاتفاقية انتجت وثيقة وصيغة الوحدة فيما بعد، وانتجت دستور دولة الوحدة المعروف ومعه 171 مادة قانونية”.

▪️ اتفاق عدن في 10 يناير 1990م.

▪️ اتفاق صنعاء 22 أبريل 1990م.

▪️ إعلان الوحدة في عدن 22 مايو 1990م.

 

4- الهروب إلى الوحدة:

لم يهرب النظام اليمني في عدن إلى الوحدة لوحده، بسبب انهيار المعسكر الشرقي، أيضاً النظام اليمني في صنعاء هرب من كارثة الدولة العميقة للهاشمية السياسية التي انقلبت في 2014 على الدولة والشعب اليمني، لقد كانت الوحدة هروباً إلى الأمام للنظامين في صنعاء وعدن، لقد حافظت الوحدة على الجمهورية اليمنية من 22 مايو 1990 – 21 سبتمبر 2014، بدون انقسامات، ومازالت إلى اليوم محافظة على الجمهورية اليمنية المعترف بها دولياً ولها شخصيتها الاعتبارية، وغالبية الشعب معها في كل أرجاء اليمن الكبير.

 

هرب اليسار إلى الإمام ليتجاوز الحروب القروية بين الزمرة والطغمة وبين العصبويات القبيلة المتبقية من العهد السلاطني الرجعي، وهرب نظام القبيلة في صنعاء إلى الأمام ليتجاوز معضلة القبيلة التي ظلت في واجهة الدولة بينما كانت الهاشمية السياسية تقف في الخلف وترص صفوفها لإسقاط الجمهورية.

 

• لماذا نؤكد على الحفاظ على الجمهورية اليمنية كهوية سياسية ؟

 

▪️الجمهورية اليمنية: هي الكيان الجديد الناتج عن اندماج كيانين عضوين في الأمم المتحدة والجامعة العربية ومعترف بهما دولياً: (الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) في كيان سياسي واحد وهوية سياسية يمنية واحدة هي الجمهورية اليمنية.

 

▪️ الهوية الحضارية والثقافية اليمنية: لا خلاف أصلاً على اليمن الحضاري والثقافي والانتماء له موجود في كل أرجاء البلاد، قبل وبعد الوحدة، وإنما الخلاف على الهوية السياسية لليمن الكبير، ومع وجود إجماع على جمهورية يمنية موحدة كان هناك أيضاً نزعة انفصالية كانت موجودة منذ ستينيات القرن الماضي، فإلى جانب الرجعية السلالية في الشمال حيث نظام الإمامة القائمة على فكرة الهاشمية السياسية، كان هناك دعاة دولة الجنوب العربي مثل رابطة الجنوب العربي ، ودعاة عدن للعدنيين من أعضاء الجمعية العدنية ممن ارتبطوا بالسياسة الاستعمارية وأرادوا سلخ عدن عن اليمن وربطها رأساً بالاستعمار البريطاني وخلق وضع لعدن يشبه وضع هونج كونج ووضع سنغافورة، وكذلك دعاة فصل حضرموت عن اليمن ممن لديهم نزعة قروية وارتباطاً بالرجعية السعودية الطامعة بحضرموت لتصل عن طريقها إلى سواحل البحر العربي.

 

• هل أخطأت الوحدة أم أخطأ النظام؟

الإجابة هنا متروكة للجميع، لكننا نتمنى أن تكون إجابة موضوعية غير مرتبطة بوجدانيات تلك المرحلة ولا بنزق اللحظة الراهنة، هذا إذا أردنا على الأقل ثقافياً تجاوز مرحلة وقوع الحدث إلى مرحلة فهم طبيعة وملابسات الحدث.

لقد أخطأ النظام ومن تصدروا في الواجهة، لم يكن للوحدة أي خطأ يذكر، وبدون مواربة تتحمل وزر حرب صيف 1994 كل الأطراف التي شاركت فيها، سواءً تلك التي بادرت بالحرب أو تلك التي بادرت بالدعوة إلى الانفصال. يتحملها من تركوا إيجاد الحلول وهربوا لصناعة المشكلات. من كانت لديهم فرصة تاريخية لانتشال اليمن من وضعها الاقتصادي المزري. من لم يستثمروا في تأهيل الإنسان اليمني، ومن تسابقوا على الوظائف والغنائم، ومن أعمتهم الإيديولوجيات عن بناء مؤسسات تخدم الشعب وتحوله من شعب منتظر للحلول إلى شعب منتج للحلول، من لم يستثمروا قدرات الشعب وراحوا يمارسون التضليل والخديعة، من استسلموا لشيكات الخارج، من حنوا للعودة إلى حضن الاستعمار والتشطير وإعادة خارطة بريطانيا العجوز الشمطاء إلى الوجود، من لم يدركوا أهمية اليمن الحضارية والتاريخية والاستراتيجية والجغرافية.

 

يتحملها من تعاملوا مع الجمهورية اليمنية كتركة يجب أن يتقاسمها حزبان سياسيان فقط، ومن ظنوا أن الجمهورية اليمنية مرتبطة بأفكارهم وأشخاصهم دوناً عن الشعب وبقية القوى السياسية والمجتمعية والأجيال الجديدة، ومن أرادوا توسيع نفوذ أملاكهم الشخصية وأملاك أحزابهم ممن ظنوا أن الجماهير ضمن مواريثهم وأيدولوجياتهم، ومن كانت بأيديهم مقاليد السلطة وكل نخب التطبيل لكل الأطراف .. يتحملون جميعاً كل أوزار تلك المرحلة.

يتحملها من لم يدركوا أن مصير الأمة اليمنية ليس شراكة بين حزبين أو أكثر، وأن الجمهورية اليمنية الناشئة في 22 مايو 1990 هي ملك للشعب اليمن وليست ضمن أملاك هذا الحزب أو ذاك.

رحم الله من مات منهم وهدى الله من تبقى منهم للاعتراف أمام هذا الجيل بأخطائهم، والشعب اليمني عاطفي وغفار للذنوب.

 

 

 

• خارطة الحرب على الجمهورية اليمنية:

أولاً خارطة مكونات انقلاب الهاشمية السياسية في صنعاء

وتتكون من:

▪️ جناح الكهف أو جناح “ماوكلي” عبده الحوثي، والممول من محور إيران – قطر .

▪️ جناح “الطيرمانة” وهي الأسر الهاشمية ذات النسب السلالي درجة أولى وتتبعها 20 درجة سلالية متفاوتة بحسب التقسيم الهاشمي للأسر والمشجرات الكهنوتية. وهو جناح مدعوم من السعودية الإمارات.

 

ثانياً خارطة انقلاب القروية الجهوية في عدن وهي التي يتشكل منها المجلس الانتقالي ، وهي أربع مجموعات:

 

▪️ الطغمة: وهي المجموعة المنتمية لليسار ولديها ارتباطاتها المحلية والإقليمية والدولية، ولها تواجد في الشمال والجنوب – الغريب أن داعميها من الشمال يرون حقها في إعلان الانفصال – وتعتبر نفسها وارثة الجنوب ومُحملة نفسها ما حدث في حرب 1994 حين انتهت سلطتها الفعلية.

 

▪️ رابطة أبناء الجنوب العربي: والتي لديها ارتباط وثيق بالقوى الرجعية القديمة وبقوى الرجعية في الإقليم وبقوى الاحتلال القديم، وهي ضد الوحدة كفكرة منذ الستينات في القرن الماضي وضد اليمن عموماً سواء الشمالي أو الجنوبي، وهم من ينكرون يمنية الجنوب صراحة متجاوزين البعد الحضاري والثقافي والديمغرافي والجغرافي والسياسي لليمن الكبير.

 

▪️ الجامية السلفية: هم الذين اعتنقوا الإيمان بالطائفة السلفية والعداوة لأطراف سياسية معينة، وكانوا – كصنيعة استخباراتية – هم البديل للإسلام السياسي منذ ثمانينيات القرن الماضي في الشرق الأوسط، تمثلهم جماعة هاني بن بريك ومجموعة المتطرفين الذين قتلوا شباب المقاومة وشيوخها في عدن وصفوها لصالح فريقهم الاستخباراتي المدعوم من الإمارات مباشرة.

 

▪️ جماعة حضرموت: وهم امتداد لجماعة النزعة الحضرمية القديمة والتي لها ارتباطها الوثيق بالسعودية والتي تريد ضم حضرموت للسعودية لتنعم بخيرات المملكة، متناسية ما في حضرموت واليمن عموماً من خيرات، ومتناسية قصة 07 في مناطق جيزان وعسير ونجران وكيف تعاملهم السعودية على أنهم أصحاب “تابعية” ورعايا من الدرجة الثالثة، وتمتد أفكارهم ما بين التسليم للسعودية وبين إقامة دولة حضرموت، ولديهم ادعاءات بوجود “شعب حضرموت” ويفكرون بطريقة مسموعة ويحلمون بدولة حضرموت التي تشبه سنغافورة ولديهم “رؤية حضرموت بعد 40 عاما” ويرون في الفدرالية فرصة للهروب من اليمن ومشكلاته، وهم الفريق الأضعف في تشكيلة المجلس الانتقالي.

 

 

المخرج اليمني من المأزق الحالي

 

• اليمننة

 

هي فكرة لا نستطيع التحوز عليها من دون الآخرين، هي فكرة تناقلتها الأجيال منذ عهد النضال من عشرينيات القرن الماضي وقادمة من نضالهم اليمني الأصيل بدون طائفية أو عنصرية أو قروية وجهوية، تخلقت فكرة اليمننة من الحاجة إلى الدولة، من الحاجة إلى الاستقرار، من الحاجة إلى إنهاء الصراعات والحروب العبثية، من الحاجة إلى إقامة الدولة اليمنية دولة على أساس الهوية اليمنية الجامعة. وعلى أساس الأمة اليمنية الممتدة عبر التاريخ والمتناسلة عبر الأجيال منذ عشرة ألف سنة، ” الأمة اليمنية الخالدة حقيقة مثبتة”. وعلى أساس “أن الدولة اليمنية حق للأمة اليمنية وحدها” ومن حق الشعب اليمني بناء دولته على أرضه. وعلى أساس أن الوطن اليمني حق لكل أبناء اليمن بمختلف تنوعهم الثقافي والاجتماعي وهذا الأساس قائم على المواطنة المتساوية وكل مبادئها الحضارية والمدنية والاجتماعية والسياسية التي تسعى لها كافة فئات ومكونات الشعب.

 

إن مشروع يمننة الفكر والثقافة والأحزاب هي طريقنا للحفاظ على اليمن الكبير، وعلى تاريخه وبعده الحضاري والثقافي والإنساني. يلزمنا السعي جميعاً العمل على أن تكون؛ اليمن لليمنيين، عدن لليمنيين، صنعاء لليمنيين، حضرموت لليمنين، تهامة لليمنيين، تعز لليمنيين، ومارب لليمنيين .. والجمهورية اليمنية هوية سياسية واحدة لكل اليمنيين.

نحن بحاجة إلى استلهام تجربة الحزب الاشتراكي اليمني في اليمننة، فقد قام بعملية مذهلة بتحويل السلطنات الرجعية الممزقة والقبائل البدائية في الجنوب والشرق إلى شعب يمني مؤهل للمعرفة. هذه التجربة تظل محل تقديرنا وتعظيمنا المستمر.

 

استطاع الحزب أن يُنهي خرافة ووهم السلطنات والمشاريع الصغيرة في جنوب اليمن وتجربته حيوية في ترسيخ الهوية والوحدة الوطنية، كان دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من صناعة هذا الحزب العريق ويمثل نتاجاً ملهماً لما نصبو إليه من إعادة يمننة الأحزاب والفكر والثقافة.

 

نحن بحاجة إلى تحويل المواطن اليمني من فكرة التربح على الاحتراب والعيش على ثقافة الحرب والرضا بكونه محارب، إلى فكرة المواطنة والمدنية.

نحن بحاجة إلى إنهاء ديمومة عوامل الصراع بالخروج من دولة الحروب، من وضع الحديقة الخلفية للسعودية والخليج إلى وضع الدولة القائمة على الاقتصاد، وذلك بإعادة دورها التجاري والاقتصادي وتهيئة الأوضاع للاستثمار والتصنيع.

 

وبما أن موقع الجمهورية اليمنية اقتصادي بالدرجة الأولى جزر موانئ سواحل ومضيق استراتيجي، فإننا اليوم مطالبون بإعادة النظر إلى : مستقبل اليمن والقرن الافريقي، وإلى مستقبل اليمن والهند وجنوب شرق آسيا، والنظر إلى مستقبل اليمن والمحيط الهندي، ومستقبل اليمن وضرورة إعادة طريق البخور كمشروع استراتيجي يمني خاصة بعد عودة طريق الحرير والذي تعمل الصين على إعادته.

 

إذا اردنا صناعة الاستقرار فلابد من التحول الكلي من شعب رعوي إلى شعب اقتصادي يقيم حضارته على الصناعة والتجارة والزراعة، والتحول من العيش في أعالي الجبال والصحاري إلى تشكيل كتلة بشرية تمتد عبر مدن السواحل الممتدة في البحرين العربي والأحمر، لابد من تحويل الموقع الجغرافي لليمن الكبير من نقمة صراع إلى نعمة استقرار.

 

في الاطار الثقافي نحن بحاجة إلى التشارك والتعاون واستمرار غرس مفاهيم الثورة اليمنية الممتدة عبر محطاتها من 17 فبراير 1948- 11 فبراير2011 والتي قامت لأجل العمال والفلاحين وكل المواطنين وليست لأجل ثلة الاقطاع والكمبرادورية ومرتزقة كل المراحل.

 

المحاضرة على اليوتيوب

 

* محاضرة خاصة بمناسبة الذكرى الثلاثون للوحدة اليمنية قدمها الدكتور فيصل علي رئيس مركز يمنيون للدراسات / لاتحاد الطلاب اليمنيين في باكستان مساء 21مايو 2020 عبر تطبيق ZOOM.

 

شاركها:  

اشترك في نشرتنا ليصلك كل جديد

نعتني ببياناتك ونحترم خصوصيتك. للمزيد اقرأ  سياسة الخصوصية .