لا أحد حزين مثلي ولا أحد أحب تعز مثلي

شارك:
تم نسخ الرابط بنجاح!
لا أحد حزين مثلي ولا أحد أحب تعز مثلي سيلين إلهام جريزي سيلين إلهام جريزي كانت هذه كلمات أحد أصدقائي اليمنيين، كتب هذه الكلمات الرشيقة بقلم من دم، ووددت...

لا أحد حزين مثلي ولا أحد أحب تعز مثلي

 

سيلين إلهام جريزي

سيلين إلهام جريزي
سيلين إلهام جريزي

كانت هذه كلمات أحد أصدقائي اليمنيين، كتب هذه الكلمات الرشيقة بقلم من دم، ووددت أن أجيبه قد لا نحب تعز مثلك لكننا نحبها أكثر منك، وقد لا نحزن عليها مثلك لكن حزننا عليها قد يكون أعظم من حزنك.

عندما أتكلم عن تعز فإنني أتكلم عن اليمن عامة، اليمن لا يوصف ولا يكتب، لكن اليمن يشم ويذاق ويلمس اليمن يرى ويسمع .

تعز، تلك المدينة التي احتضنتني لشهور عدة وأنا اتأفف كل صباح عندما لا أجد ماء لاستحم به، وكل ظهر عندما لا أجد دباباً استقله من الجامعة التي كنت أعمل فيها إلى بيتي في المسبح، ثم بعدها بالعسكري، وكل مساء عندما تغازل ستائر نافذتي أشعة القمر القوية. قمر تعز لا يشبه بقية الأقمار، كان ناعماً وهاجاً وواضحاً.

كنت أتافف بعد أذان المغرب عندما أضغط على الكبس ولا تشتغل مصابيح بيتي، وأنام وجسمي كله بقع من ارتطامي بكبت الغرفة، وبجوانب مكتبي الذي تتكوم فيه أوراق الطلبة للتصحيح.

أحيانا بل مرات عديدة كنت وجبة محببة للقمالي الذي اعتاد على تقبيلي وامتصاص دمي كل ليلة. كم كان سادياً قمالي المسبح الأسفل على وجه الخصوص.

عندما انتقلت للعسكري فرحت، كيف لا وأنا أسكن في منطقة مرتفعة وطابق مرتفع فكيف لا ترتفع نفسيتي؟! كنت أرى عبر العتمة الشفافة أنوار الأحياء الآخرى التي أتى دورها في الاستفادة من النور ، كان الجو لطيفاً رومانسياً كان فقط بديعاً.

لم أكن وقتها مدمنة لا على الإنترنت، ولا على الهاتف اللذان كانا يتميزان بسرعة لاتتضاهيها إلا سرعة الغيلم ! فقررت عدم استعمالهما وقطع كل تواصل لي مع الخارج.

كان فترة تواصل كبيرة مع داخلي، وكبرت أنا العشرينية وقتها بأكثر من ثلاثين سنة داخلياً. أو لنقل نضجت.

كنت أتابع من شرفة بلوكنتي كل حركات سكان الحي والمهاجرين وحتى” أخدام” المنطقة. واطلعت على كل العلاقات العاطفية والخيانات الزوجية والانحرافات الشبابية من شرفتي.

وضحكت وانا أرى ابن الجيران يواعد جارتنا فوق سطح منزلهم وهو يرتدي بالطو كالنساء، كان عشقاً ممنوعاً لاسباب لن أذكرها الآن ولا غدا، ولا اى يوم.

كان بإمكاني الترشح لمنصب “عاقل” الحارة لكنني امرأة أجنبية. كنت أبكي وأضحك وابتسم، واتقاسم جيوسياسة الحي من شرفتي، نضجت في تعز وكبرت تعز في دواخلي. ليس مهما أن تعرفوا أنني سكنت اليمن مدة لا بأس بها، لكن من المهم أن تعرفوا أن اليمن سكنني وللأبد.

المصدر الأصلي للنص

 

 

 

 

مقالات قد تهمك

أنا اليمني الحاضر في الذاكرة والغياب
نثر

أنا اليمني الحاضر في الذاكرة والغياب

نصّ تأملي سردي يصوغ الهوية اليمنية بوصفها كائنًا يتجاوز الزمن: يولد من التاريخ، ويتجدد في الذاكرة، ويُقبر في الجغرافيا. يتداخل فيه الإنسان بالأسطورة، والذات بالجماعة، والطبيعة بالمقدّس، في سردية عن وطن متعدد، مثقل بالحروب، الحب، الخيبات، والحنين. النص لا يستعيد الماضي بوصفه نوستالجيا، بل كحضور حيّ يعيد تشكيل الوعي، ويقاوم الفناء بالذاكرة والرمز.

منذ 4 سنوات