من انقلاب ” حركة التصحيح” 1974 في اليمن، إلى انقلاب “مسار التصحيح” في تونس:

التأمل في الأحلام المجهضة للتجارب العربية في التحول الديمقراطي

التأمل في الأحلام المجهضة للتجارب العربية في التحول الديمقراطي
576 زيارة

د. مجيب الحميدي

من انقلاب ” حركة التصحيح” 1974 في اليمن، إلى انقلاب “مسار التصحيح” في تونس:

ضرورة التأمل في الأحلام المجهضة للتجارب العربية في التحول الديمقراطي

مجيب الحميدي

لا أود أن أقدم في هذه السطور أي رؤية تفسيرية وساكتفي بسرد هذه الوقائع التي توضح حصاد إخفاقات تجارب التحول المدني الديمقراطي في الجمهوريات العربية راجياً ان يستثير هذا التذكير بالوقائع تفكيراً جاداً ومسؤولاً في أسباب هذه الإخفاقات و محاولة استلهام الدروس في التخطيط المستقبلي لنضال جديد لبناء دولة الحرية والديمقراطية والحكم الرشيد والتحرر من جحيم الأنظمة الفاشية بإغراءاتها الماكرة التي ترتبط بالقائد الفرد وتنتهي بوفاته وتترك مصير الوطن والشعب في مهب الريح.

– في عام 1967 بدأت في اليمن أول تجربة تحول ديمقراطي ومحاولة للانتقال من جمهورية الضباط الأحرار إلى أول جمهورية مدنية وتأسيس أول برلمان، وفي عام 1974 اجهض الجيش اليمني هذه التجربة و حل البرلمان بانقلاب أبيض أسماه المنقلبون “حركة تصحيح” واستفاد الانقلاب من حالة التذمر الشعبي الناتج عن الفشل في إدارة الملف الاقتصادي و تغول مراكز النفوذ الاجتماعي، وسقط هذا الانقلاب الأبيض بانقلاب دموي أفضى إلى تشبث العسكر بالسلطة ووصول اليمن إلى ما وصلت إليه اليوم.

– في عام 1989 اسقطت فاشية الإسلام السياسي في السودان ثاني تجربة عربية رائدة في التحول الديمقراطي بانقلاب عسكري قاده عمر البشير وقام بحل البرلمان والأحزاب السياسية والنقابات، وتورط النظام بجرائم إعدامات جماعية فاشية للمعارضين، وعندما خسر النظام علاقاته مع القوى الدولية العظمى توجه إلى الصين وإيران، فنجحت الاستثمارات الصينية في تحقيق نجاح مؤقت و انتهت التجربة بفشل اقتصادي مريع، و سرعان ما استشرى الفساد المالي والإداري في مفاصل النظام الذي غرق في مستنقع الدماء في دارفور، حتى سقط الانقلاب بانقلاب آخر في 2019 ووصلت السودان إلى وصلت إليه اليوم.

– في 2007 انتخب الشعب الموريتاني أول رئيس جمهوري مدني في انتخابات حرة ونزيهة و فاز فيها الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بنسبة 53% و استمر في السلطة سنة ونصف حتى انقلب عليه العسكر من جديد.

– في 2012 انتخب الشعب المصري أول رئيس مدني في انتخابات تنافسية حرة ولكن النظام العسكري استعاد السلطة في 2013.

– أوصلت ثورة الياسمين في تونس أول رئيس جمهوري مدني إلى السلطة، وأول رئيس عربي يغادر السلطة في انتخابات حرة ونزيهة، ويخلفه رئيس مدني آخر في ظل حيادية كاملة للمؤسسة العسكرية والأمنية، وفي 2021 قام الرئيس المدني الثالث بانقلاب دستوري لتعطيل البرلمان والحياة السياسية مستفيداً من موجة فيروس كورونا و فشل الحكومة في إدارة الملف الاقتصادي، ومستعيناً بالمؤسسة العسكرية والأمنية تحت غطاء شعبوي، وتأييد إقليمي من فرنسا و الأنظمة العربية المعادية للديمقراطية. وخطابات الرئيس اليوم تؤكد نواياه المبيتة في تجريف الحياة السياسية التعددية المدنية، ورفضه للحوار مع المعارضين الذين يصفهم بالمنافقين وأحفاد ابن أبي سلول، و رفضه لأي تصورات يطرحها المجتمع المدني للمستقبل مستنداً على لجان الحشد للتأييد الشعبوي التي تمارس ادوراً أشبه بأدوار المليشيات.

في جميع هذه التجارب كان النظام المدني الديمقراطي هو الاستثناء، وكان الفشل في مواجهة التحديات الاقتصادية هو مبرر الانقلابات التي فشلت هي الأخرى في تحقيق وعود التنمية والنهوض، واستعاضت عنها بوعود توفير الأمن والاستقرار..
في جميع هذه التجارب كان الورد هو الآني، وكان الأقدر هو الأعتى وكان السؤال البردوني حاضراً دائماً
“لماذا الورد آني …
وليس الشوك بالآني ؟
لماذا يقدر الأعتى
ويعي المرهفُ الحاني ؟
أيستسقي الدم الصادي
ندىً، أم خنجراً قاني؟

 

إقرأ أيضاً للكاتب

أزمة الدولة الوطنية العربية كما يشخِّصها هشام جعيط

شاركها:  

اشترك في نشرتنا ليصلك كل جديد

نعتني ببياناتك ونحترم خصوصيتك. للمزيد اقرأ  سياسة الخصوصية .

اقرأ ايضا